Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
فضاءات
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 

كلام على الأدب النسوي
د. مصلح النجار

 

 

عندما نتكلم على مصطلح الأدب النسوي، تنصرف الأذهان إلى دلالتين محتملتين لهذا المصطلح، الأولى أدب موضوعه المرأة، والأخرى أدب كاتبته المرأة، ومن باب التفريق انصرفَ المصطلح إلى الدلالة الأولى، واختصّت الثانية بمصطلح آخر هو (الأدب النسائي) أو (أدب المرأة).

وقد تكون سبعينيات القرن العشرين هي لحظة التنوير بالنسبة للأدب النسوي، حين أُعيد اكتشاف كتاب فرجينيا وولف الذي عنوانه (غرفة خاصة بالمرء دون غيره) A Room of One6s

Own المنشور سابقاً في نهاية

عشرينيات القرن ذاته.

ولعله ليس من المغامرة القول: إن تخصيص أدب موضوعه المرأة، هو حالة حالات الرجوع إلى فضيلة تحديد الأدب بموضوعه، ولا ننسى هنا أن المرأة ما فتئت تكون موضوعاً من موضوعات الأدب عبر العصور. ولعلّ تحديد الأدب بموضوعه هو أمر ينطبق على كثير من فروع أدب ما بعد الكولوينالية وهي موضوعات كانت مطروحة في الحقب والعصور والمراحل السابقة، ولكنّ الذي اختلف هو المواقف منها والرؤى تجاهها.

نظرت كثير من النساء نظرة تفاؤل إلى إفراد أدب مستقل للمرأة، له ملامحه، وثيماته، وأفكاره التي يحملها، ومواقفه من الأشياء، والآخرين، والحياة، ولكن النظر من زاوية أخرى إلى هذا الأدب كان يفضي إلى أمرين سلبيين للحركة النسوية بعامّة، وللأدب النسوي بخاصّة، الأول: أنّ هذا الإفراد وهذه الخصوصية كانا، بالضرورة، حكمَ قيمة سلبياً، فإن أكثر أعمال الأدب النسوي من تأليف النساء؛ وبالتالي فإنّ أيّ حكم قيمة سيلتصق بالكاتبات النساء أكثر مما يلحق برجل، نتيجة عمل أدبيّ كتبه مبشّراً بثيمات نسوية. إنّ الكلام على أدب نسويّ هنا لا يبتعد كثيراً عن الأدب النسائيّ؛ فهو يوضع في سلة واحدة، معزولاً عن أدب الرجال، ذلك الأدب الذي يتضمن عيون الأعمال الأدبية في عصر من العصور، أو بيئة من البيئات؛ فالإفراد، في هذه الحالة، عزلٌ وحكمُ قيمة، مقابل أدب الرجال الذي ينطوي على الصفّ الأول من الأعمال الأدبية ومن الكُتاب على حدّ التسوية.

وإذا نعمنا النظر في حكم القيمة ذاك، وأضفنا إليه أنّ الإيمان بفكرة عزل الأدب النسويّ هو حالة من حالات التمييز العنصري ضدّ المرأة، وكأنها كائن آخر غير الإنسان، الذي يمثلّه الرجل، وكان الأصل أن يمثله الرجل والمرأة معاً، لكن المرأة رغبت في الانعزال، فظلّ الرجل وحده يمثل أدب الإنسان، وصارت المرأة تمثل أدب كائن آخر هو المرأة، وهي فكرة قائمة على منطق إجرائي، مصحوب بفساد الفرضية. قويت نظرية الأدب النسوي، بشكل لافت، وتعزّزت مكانة صاحباتها، من خلال تعزّز أدواتهنّ، وتأصّل أفكارهن، واهتدائهنّ إلى الدفوع التي يحتجنها جميعاً، وقد تأتت هذه القوة من ضعف النساء، تحت وطأة قهر المجتمعات الذكوريّة، أو لنقل تحت وطأة الرجل، إنّها قوّة الضعف، وإن حاجةً إلى النضال ضدّ القهر تتولّد، حُكماً، تحت وطأة القهر.

تنظر المرأة إلى الرجل على أنه يحتلّ شطراً من تجربتها، في تاريخ من المعايشة، المفتقرة إلى مفهوم التعايش؛ إذ كانت البيئة التي تتم فيها هذه المعايشة قائمة على قاعدة سيطرة الرجل على المرأة اجتماعياً ونفسياً وجسدياً وثقافيا، في مجتمع متّهم بالذكورية والرجعية؛ وبالتالي كان من الطبيعي أن ينصرف الجزء الأكبر من الأدب النسوي إلى كشف أشكال السيطرة التي ترزح المرأة تحتها. وفي مقابل هذه السيطرة هنالك مواقف احتمالية قد تقفها المرأة، ومن هذه المواقف الاستجابةُ، والتكيفُ، والمقاومة، والغلب؛ وبالتالي فإن هذا الأدب حاول أن يبسط القول في الموقف من الرجل في ضوء تسلّطه، والموقف منه بعد زوال تسلطه، ولكنّ الغريب أن النساء استجبن لِما يتكلمُ عليه الرجالُ من سلبياتِهن، ومن أَضرُبِ تنميطهنّ، ومن الآراء والمواقف المتطرّفة حيالهنّ، ولقد كان للرجال ولغتهم دور في صياغة عقول النساء.

هناك استجابتان اثنتان مقابل هذه الحال إحداهما هي سعي المرأة إلى تبادل الأدوار مع الرجل، بأن تأخذ دورَ الرجل، وهو يأخذ دور الضحية. وأما الاستجابة الثانية فهي التقمّص، بأن تأخذ المرأة دور الرجل، من دون أن تطلب إليه أن يأخذ دورها، فقد تبحث هي عن ضحايا آخرين غير الرجال: نساء أخريات، أو أطفال، أو مستخدَمة، أو جيران، أو كنّة، أو سلفة، أو ما سواه؛ فالنسوية حركة ضدّ سلطة الرجل، وضد النظام القائم، وهذا ما يجعلها جزءاً من كتابة ما بعد الكولوينالية، ومثلما يكتب المستعمَرون بلغة المستعمِرين وفكرهم في كثير من الأحيان؛ فإن النساء يكتبن بلغة الرجل وفكره؛ ولذلك ظهر اتجاه واضح عند النسويّات، في بعض مراحل تطوّر الحركة، إلى نقد الذات، وتكريس نماذج النساء كما رآها الرجال. وفي ردة الفعل حاولت النساء إعادة بناء المفاهيم، والتصورات الخاصة في ضوء كون النساء ذوات، يفكرن، يشعرن، ويعملن، مقابل حالة التشييء التي لطالما نالت من المرأة، إذا صورت على أنها تتأثر ولا تؤثر. وفي إطار سعي النساء إلى إعلان إنسانيتهنّ، فإنهنّ يصطدمن بحاجز حقيقة صورة الإنسان الوحيدة الموجودة في المجتمع، والتي ظلت في مخيلاتهنّ، وهي صورة الرجل الذي كان يقهرهن، وهنا نقف أمام تحول المقهور إلى قاهر. وبالمناسبة فإن النساء المثقفات يكنَّ أضعف إزاء ثقافة الرجال، أو الثقافة الذكورية، أو التي صاغها الرجال.

حاولت النساء تجاوز الغربة التي عشن فيها في إطار مجتمعات ذكورية، مع قليل من الحوار وكثير من التصادم، وقد مرت مراحل من تطور الحركة النسوية قبل الوصول إلى حالة الحوار الذي يفضي إلى وعي مشكلات المرأة. وفي إطار التصادم ظهرت محاولة جادة من النساء إلى نفي الحاجة إلى الرجال، ومحاولة الاستغناء عنهم، وكسر نظام الأسرة، والخروج عليه، ولكن الذي كان ماثلاً دائماً في فضاء الحركة النسوية هو تطلعهنّ إلى الرفاه، والحرية، وتجاوز واقعهنّ.

ولعلّنا لا ننسى أنّ نسقية حكم الرجل للمرأة في المجتمعات (الذكورية) ولّدت آثاراً إيجابية أيضاً، أبرزها سعيهنّ إلى التعلم والثقافة مقابل الجهل، والعملية مقابل عدم العملية، والعمق مقابل السطحية، والقوة مقابل الضعف، ولكن هذه النسقية ولّدت في الجهة الأخرى جلاّدات مقابل النساء الضحايا.

- عمان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة