Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
حوار
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 
الشاعرة والكاتبة زينب غاصب ل «الثقافية »:
قريباً سترأس المرأة الأندية الأدبية!

 

 

حوار - محمد عطيف:

الشاعرة والكاتبة والأديبة زينب غاصب.. حكى عنها حضورها الأدبي والكتابي والشعري ونشاطها الاجتماعي كثيراً.. زينب غاصب: أين تقف الآن..؟ (الثقافية) استطلعت عالم زينب غاصب؛ فكان هذا الحوار الساخن:

* اقتحمت زينت غاصب عالم الصحافة ككاتبة أكثر منها أديبة وشاعرة.. هل توفقينني على هذه المقولة؟

- الشعر ليس بئراً يغترف منها الشاعر في كل الموضوعات والمشكلات التي يريد أن يتحدث عنها، وينقلها إلى الناس؛ لذا كانت الكتابة الصحفية عملية ملحة بالنسبة لي طالما أني أمتلك مقوماتها. والكتابة الصحفية عندي لا تخلو من الكتابة الأدبية أحياناً، ثم إن كتابة الشعر لها قواعد معينة يسهل تخطيها في المقالة النثرية، سواء أكانت اجتماعية أو ثقافية أو أدبية؛ لذا كان الحضور الصحفي من خلال مقالاتي الأسبوعية أكثر منه شعراً وأدباً.

* لو ألقينا نظرة على عناوين الزوايا التي كتبت فيها في (سيدتي) وفي (البلاد) وفي (جدة اليوم) وفي (زهرة الخليج) وغيرها سنجد عناوين مثل: (هواجس ساحلية) و(مساحة للبوح) و(أوراق الشيح) و(نواووير).. نجد (الأنثى) الأكثر حضوراً وأقرب من (المعالجة) و(النقد بأنواعه وأهدافه المختلفة).. فهل كان الحضور للحضور أو التجربة لتقديم الذات.. ومتى (اختمرت) زينب غاصب ككاتبة أو لتقديم نفسها كشاعرة من خلال ذلك إلى القارئ والقارئة كفكرة ذكية بغض النظر عن تقبل منهجها وخصوصية (قلمها)؟

- أنا أنثى، وكتاباتي أصيغها في الدفاع عن قضايا تهمني كامرأة معاصرة في زمن كثر فيه الهضم لحقوق المرأة والتهميش لدورها، والتقليل من شأنها، وإنسانيتها، في المجتمع في وطننا؛ فكان من البدهي أن يكون قلمي مندفعاً صوب قضاياها تنويراً، أو نقداً، أو دفاعاً ملزماً. وليست الكتابة لمجرد الظهور أو طلب الشهرة، ولو أردتها لما كنت اعتذرت عن الكثير من العروض الكتابية التي أرى فيها استنزافاً لقلمي، وكان آخرها عرضاً تلقيته من صحيفة رياضية شهيرة جداً، واكتفيت بعمودي الأسبوعي الذي أكتبه حالياً بجريدة الحياة كل سبت.

* قبل أن نتحدث عن تجربتك الشعرية أصدرت فقط ديوانا شعريا واحدا ( للأعراس وجهها القمري ).. فأين البقية؟،وقلت مرات عدة إن لديك أكثر ديوان في الطريق.. فأين توقف؟..وهل تعتبرين الشاعر (ينضج) من خلال دواوينه أو يحقق ( الوصول) من تكرار (الإصدارات)؟ وهل تفضلين النشر الداخلي أم عن طريق دور نشر خارجية، ولماذا؟

- قد يطبع الشاعر مجموعة دواوين لا تحقق له الشهرة.!، بينما قد يحدث هذا من خلال قصيدة واحدة فقط. أما إصدار الدواوين فهو حفظ لإنتاج الشاعر وتدوين لقصائد ربما لا يصلح نشرها في وقت أو زمن آخر. والنضج الشعري يكتسب عن طريق الثقافة الذاتية للشاعر أو الأديب عموما، بتطوير موهبته وأدواته اللغوية والفنية. أما عدم نشري لبقية دواويني فهذا يعود لضعف مستوى النشر والتوزيع عندنا وضياع حقوق المؤلف المادية بين رحى المكتبات على سبيل التصريف. النشر الخارجي أصبح ضرورة لأي أديب لأنه يحقق له الانتشار على المستوى العربي أكثر منه داخلياً.

* هل توافقينني الرأي أن النشر والطباعة في الخارج، وعلى الرغم من أن الكثير من محبيهما يرون فيهما تخطياً لرقابة صارمة، إلا أنهما في الحقيقة ادعاء ثقافي خاصة للأسماء الجديدة؟

- لا أوافق على هذا الرأي؛ لأن الإنتاج الجيد سواء أكان لمبتدئ أو مجرب هو الذي يفرض نفسه على المتلقي، والطبع في الخارج - كما أسلفت - يحقق للمؤلف الانتشار والشهرة أكثر منه لدينا.

* الباحث عن زينب غاصب هل له أن يرى أن حضورها في مناسبات الجمعيات الخيرية وملتقيات الحوار (الإلكتروني ) خصوصاً، يرى أنها (تشتت) نفسها وكأنها تحاول الانسلاخ من البقاء في الإطار الشعري فقط؟

- الانفتاح الإعلامي هو لغة العصر بالنسبة للأديب أو المثقف عموماً، ومن لم يسايره خلف قنواته الجديدة فلن يرى الناس نتاجه الفكري. والأديب المثقف لا يعزل نفسه عن الوسائل الإعلامية المتاحة، وليس بالضرورة أن يحبس نفسه في إطار واحد طالما أن لديه القدرة على التعبير بوسائل أخرى.

* يشعر المتابع لزينب غاصب أنها أحياناً تزج بنفسها في أماكن ليس لها ارتباط موهبي - مثلاً - إن صح التعبير -؛ فهي تقدم ورقة عن (حقوق المرأة في الإسلام) في منتدى إحدى الصحف المحلية.. وهي ليست فقيهة ولا باحثة، ونراها تارة تحيي أمسية بعنوان (أمن الوطن مسؤولية الجميع) مع إحدى الجمعيات الخيرية.. وتعود لتلقي محاضرة عن (دور المرأة الاقتصادي في تنمية المجتمع) في مركز خدمة المجتمع بجازان؟.. أظن مع هذا لا نلوم من يرى أن زينب غاصب تحاول تجاوز مرحلة (الركض خلف الظهور) ولا تعتمد على حضورها الشاعري والأدبي فقط وكأنها تقول إنه غير كاف؟

- لو نظرت إلى الأدب العربي قديماً لوجدت أن الأديب كان موسوعة لا ترتبط بلون؛ فهو يكتب في الفقه واللغة والشعر والنقد والرواية. أنا لست بدعة في ذلك، و(الزج) يكون لغير المثقف أو المدعي للثقافة، وورقتي عن (حقوق المرأة في الإسلام) ليست (نشازاً) ولا (زجاً) فأنا مسلمة أولاً وأخيراً، وتالياً أنا امرأة. والمسلمة يجب عليها أن تعرف حقوقها، وتُعرّفها لغيرها ممن لا يعرفنها بصرف النظر عن كونها شاعرة أو أديبة. والإسلام ليس حكراً على العلماء والفقهاء إلا المسائل المختلف عليها. وكانت الصحابيات - رضي الله عنهن - ينقلن ما يسمعنه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث ومسائل دينية وغير دينية، ولم يمنعهن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل لهن ليس هذا من شأنكن. وكما هنالك ثقافة أدبية قبلها فلابد أن تكون هناك ثقافة دينية. أما بالنسبة للأمسية التي كانت في الجمعية الخيرية في جازان فلعلك لم تعرف أن الأمسية كانت للنادي الأدبي بجازان وبدعوة منه، ولأنه لا يمتلك حينها مكاناًُ مخصصاً للنساء في مقره فأقامها بالتعاون مع الجمعية، وعلى مسرحها، وليس نكرة أن يكون العنوان (الأمن ومسؤولية المجتمع) فأنا مواطنة قبل كل أن أكون شاعرة، و(الوطن) قلادة كبيرة تطوق قصائدي، وأينما كان الوطن كنت معه. بل إن من أولويات الشاعر الحرص على مناسباته الوطنية، خاصة بعد أن أصبح الوطن هدفاً للأغبياء، والمجرمين، والجهلاء. ثم ما المانع أن تكون الأمسية لجمعية خيرية!؟ أوليست هذه الجمعيات من مؤسسات الوطن؟! ومن هذا المنطلق أيضاً تأتي أيضاً الورقة عن (دور المرأة الاقتصادي في تنمية المجتمع). ولو أنك نظرت إليها بعين الفهم لا النقد لوجدت أنها نابعة من صميم دراستي للتأريخ، ولستُ بحاجة إلى الظهور من خلالها فأنا معروفة قبلها على النطاق المحلي والعربي من خلال كتاباتي في المجلات الخليجية والعربية شعراً ونثراً.

* في حال نفيك هذا فكيف تبررين إلقاءك محاضرة عن أدب الطفل في معرض الطفل الثاني المصاحب لمعرض الكتاب وأنت لا تكتبين للطفل؟

- تقديمي لمحاضرة عن أدب الطفل نابع من إحساسي بأهمية هذا الأدب. ولو أنك كنت متابعاً لإنتاجي في هذا المجال لوجدت أنني كتبت قصائد للأطفال بلغ عددها تسع عشرة قصيدة نشرت قبل ما يقارب عشر سنوات أو أكثر في كل من مجلة اليمامة حين كان فيها ملحق للطفل، وكذلك جريدة عكاظ، والمسؤولون عن معرض أدب الطفل المصاحب لمعرض الكتاب كانوا يعرفون عني هذا وكانت المحاضرة معدة قبل ذلك بفترة طويلة لأنها أصلاً كانت بداية لمشروع كتاب ما زلت أنوي إكماله.

* عفواً.. عفواً.. دعيني أبرر لك إذا سمحت ولك أن توافقيني أو ترفضي: تلك الجهات تحتاج إلى اسم معروف - يفضل أن يكون نسائياً - بغض النظر عن تخصصه فيما يقوله؟!!

- يظهر أنك يا أخي محمد لديك عقدة التخصص!! عموماً - كما أسلفت - الإنتاج الجيد يفرض نفسه سواء للرجل أو للمرأة، فليس هناك في الأدب تجنيس مذكر أو مؤنث، أو حذف نون النسوة؛ فما المانع أن يكون الاسم نسائياً إذا كان الموضوع مستوفياً لأدواته.

* اللجان النسائية في الأندية الأدبية.. بصفتك عضوة في تلك اللجنة في نادي جدة الأدبي.. حتى الآن ماذا أضافت لك التجربة؟ وكيف تقيّمينها؟ وهل مساحة (استقلالية) المرأة فيها بالدرجة التي توقعتها أم التي تمنيتها؟

- نحن كلجنة نسائية في نادي جدة الأدبي ليس هنالك ما يسمى باستقلالية رجالية أو نسائية؛ لأن العمل مشترك في كل الأنشطة بين الطرفين. أما تقييم التجربة بالنسبة لي فلا أستطيع ذلك الآن؛ لأن التجربة لا تزال في بداياتها.

* يقول الدكتور حسن النعمي رئيس جماعة الحوار في أدبي جدة إن مشاركة المرأة في المشهد الثقافي مطلب له تلوينات استثنائية؟.. كيف تفهمين عبارته؟!! وهل تقبلينها؟ خصوصاً أن تعليقه بذلك جاء بعد انتهاء أمسيتك الشعرية مع الزميلة حليمة مظفر والشاعرين عادل خميس وأشرف سالم.. ووصف أصواتكن ب (الأصوات الجديدة)؟

- أؤيد الدكتور حسن النعمي فهو قامة أدبية استثنائية في دعمها لحضور المرأة في مشهدنا، وهو مؤسس جماعة حوار بنادي جدة الأدبي، وأعطى المرأة المثقفة دوراً مساوياً للرجل من خلال هذه الجماعة، وأنا أكنّ له التقدير والاحترام. أما هذه العبارة فإذا أردت أن تتعمق فيها فهي مع وليست ضد المرأة. ولم لا تكون موجهة للأصوات النسائية جميعاً؟ وماذا في ذلك لو وصف بها الأصوات الجديدة؛ فقد تكون لأول مرة، وقد تكون متجددة في لونها أو طريقتها؟

* لكن الدكتور النعمي نفسه عاد وقال: (إن حرمان المرأة من المشاركة في السابق لم يعد له وجود الآن؟).. من خلال قربك.. هل تجدين ذلك ماثلاً فعلاً؟

- نعم بكل تأكيد، وانظر إلى حجم مشاركة المرأة في نادي جدة الأدبي كشاعرة وقاصة وناقدة، وستجد أنها الأكثر حضوراً فيه قبل وبعد تشكيل اللجان النسائية.

* قلت أنت ليلتها إن تلك الأمسية (جاءت دفاعاً عن الشعر الذي يدعي بعض النقاد أنه مات).. فهل تعتقدين أن تلك الأمسية بشعرائها وشاعراتها هم الذين يكفون للدفاع عن الشعر فيما رئيس جماعة الحوار يصفهم ويصفهن ب (الأصوات الجديدة)؟

- ألا ترى معي - أخي محمد - أنك لا تتعمق في معنى العبارات؛ لأنك لم تبحث عن أسبابها فتأخذها سلباً دون أن تعرف إيجابياتها؛ لأن عبارتي كانت رداً على من قالوا إن الشعر مات بعد أن تصدرت الرواية الساحة الأدبية. وما الذي يضر في تسميتها ب(الأصوات الجديدة) أو القديمة؛ فهذه ليست قضية وقد شرحت معناها سلفاً؟

* (ويا حب أمي، ملأت الشتاءات دفئا, وكنت الصيوف بجفني.. ومن صهوة الشوق تأتين, وإن كنت في البعد عني.. سأبقى لعينيك، أشدو.. سأبقى لحضنك, أهفو.. وفي مكان قريب تقولين: في جزيرتي، تلك البحرية، القابعة في واجهة عيني، أرى سنابل الحياة، فأركض في طفولة أستمدها من روحي المكتظة بنخلها، وأطل على آبارها، لأرى صورتي، في صفحة مائها، وأسترجع صوراً لأناس أدمت أيديهم من الحبال التي كانوا يسقطون بها (دلاءهم) ويجرونها على مزارعهم النخيلية؛ فتشع خضاراً!! الآن أتساءل عن أسباب جفافها بعد أن أصبحت المياه مهيأة للضخ آلياً؟!! الأم هي الأم.. أم هي فرسان ؟.. إهداؤك الذي يتقدم بعض قصائدك هل هو حالة وفاء مؤقتة؟

- الأم هي الحياة للإنسان، منها يشرب الحنان، ويستمد الأمن العاطفي. ولا يشعر بوهجها إلا من تجرع مرارة اليتم مثلي؛ فأمي توفيت وأنا طفلة وهي في شرخ صباها وشبابها، ولم أتشبع حتى بطيوف ملامحها، ومهما أحاطني الحنان فالأم تجدها في شعري ونثري حالة شجن مستديمة لا تغيب عن انفعالاتي. أما (فرسان) فهي الولادة المرتبطة بالأمومة العامة للإنسان في مسقط رأسه. ومتى كان الوفاء يا أخي مؤقتاً بقدر ما هو فطرة سليمة في نفوس الأوفياء.!!؟

* قلت مرة: إن (الجزيرة الثقافية) تُشعرك باحترامها..!

- وقلت إن الثقافة أصبحت في حاضرنا الآن من الظواهر العقيمة فلم يعد لها ذلك المكان الذي كانت تحظى به سابقاً، ولم يعد لها ذلك البريق الذي كان يدغدغ الفكر والعقل، ولم يعد لمحبيها ذلك الشغف الجاذب للتنوير وتغذية الحياة الإنسانية، خاصة من الجيل الحاضر الذي شُغل بالثقافات السريعة، مثل ثقافة الكمبيوتر والإنترنت والفضائيات التي تحفل بالغباء والثقافات الهابطة.. خرجت علينا هذه المجلة الثقافية المنبثقة عن جريدة (الجزيرة) العريقة؛ لتثبت جدارتها بين هذا السيل من الغثاء....

* هل ما زلت تعتقدين أن الثقافة ظاهرة عقيمة.. هذا غريب؛ فالثقافة حالة متجددة يحددها إبداع الملقي وبراعة المتلقي.. هل لديك مبررات واقعية لاتهامك..؟

- نعم فالثقافة عقيمة في مجتمع يراها من كماليات الحياة بينما هي من أساسياتها، وتكون متجددة في حالة القراءة المستمرة. وهل وجدت أن الثقافة عندنا غيّرت من سلوك المجتمع في عاداته، وتقاليده السلبية، أو أثّرت حتى في سلوك المثقفين من رجاله أو نسائه..!؟ ولو أن ثقافتنا عميقة لما رأينا صحفنا

تُعلن جهل الجمهور عندما تطرح أسماء لأدباء أو علماء أو مفكرين أو فقهاء، وتكون الإجابة إما فنانا أو لاعب كرة..!!

* أتذكر في إحدى مقالاتك بعنوان: أيها المتلقي هذا هو حالنا.. فماذا ترى؟ أنك اتهمت الإعلام المحلي وخصوصا الثقافي الورقي بالبحث عن (الانتشار) من خلال النشر لأسماء خارج الوطن لادعاء الانتشار وتجاهل واجبه تجاه الأصوات الشابة المحلية.. هل كان ذلك الاتهام نتيجة تجربة مريرة لك مع هذا الإعلام.. وبعد مرور هذه الفترة هل ما زلت على رأيك؟

- انظر إلى صحفنا أو مجلاتنا السعودية ستجد الإجابة ماثلة أمام عينيك، وليس شرطاً أن يكون هذا نتيجة تجربة لي.. ربما تكون لآخرين عرفتهم أو سمعتهم أو قرأتُ عنهم.

* نعود لتبنيك - في فترات متباينة - الانضمام للدفاع عن قضية حقوق المرأة؛ حيث اعتبرت (القوامة) للمرأة على الرجل فيما فسرها الجانب الآخر على أنها (سيادة) للرجل.. ليس هذا شأننا هنا.. لماذا انبرت شاعرة وأديبة للمشاركة في هذه الجانب؟ ثم حجم الحملة التي وجهت بها.. أين وصلت وكيف ترجمت موقفك؟

- قد أجبت آنفاً عن هذا السؤال. وقلت إنه من واجب المرأة المسلمة أن تعرف حقوقها، ما لها وما عليها، بصرف النظر عن كونها شاعرة، أو أديبة، أو كاتبة. أما الحملة فلم ألتفت إليها، ولم تزدني إلا صلابة في حقي كامرأة، وقد تصدت للرد عليها أقلام محترمة من كُتّاب وكاتبات يعتبرون أساتذة لي رغم معرفتي بهم شخصياً، ولكن إيمانهم بطرحي العقلاني وموضوعيته، كان أحد دوافعهم للرد.

* هل ما زلت مع قيادة المرأة للسيارة؟ وهل تلمسين في أيامنا هذا تقبلاً ملموساً أفضل مما قبل؟

- نعم. ولكن كما قلت في إحدى مقالاتي إن قيادة السيارة أفضل لها؛ فهي لن تجد في الفضاء من يضايقها أو يعاكسها أو يرمي لها برقم جواله. ما زلنا بحاجة إلى تثقيف الجنس الذكوري، وتعليمه احترام المرأة راجلة أو قائدة أو عاملة، والنساء (شقائق الرجال).

* توظيف زينب غاصب للموروث في قصائدها هل هو محاولة لدعم الحضور والبحث عن انتشارية أكبر..أم ما زلت ترين ذلك واجباً تاريخياً على الأديب لا يشكر عليه؟

- التراث للتاريخ. ليس ملكاً لأحد أو حكراً على فئة. وتوظيفه في شعرنا الحديث هو ضرورة مهمة لنقله إلى الأجيال الجديدة وتعريفهم بماضي الأسلاف من قبلهم.

* إذن كيف كانت تجربتك في المشاركة في (أوبريت جازان) في حفل الزيارة الملكية.. كيف كانت التجربة وماذا أضافت لك؟

- كانت تجربة المشاركة في أوبريت الزيارة الملكية لمنطقة جازان جديدة وجريئة ومغامرة بالنسبة لي قياساً بعبء العادات والتقاليد في المنطقة التي لم يسبق لها أن تسمع صوتاً نسائياً في أي مناسبة وطنية. لكنني تطوعت للقيام بها كواجب وطني، وكان هذا دافعاً لظهور أصوات نسائية في منطقة عسير قامت بإلقاء كلمات ترحيبية بعد أن سمعن باشتراكي في الأوبريت كما قيل لي. وقد أضافت لي التجربة بتحملي مسؤوليتها وردود فعلها من قبل المجتمع، والحمد لله فقد كان لها صدى جميل في نفوس المستمعين من داخل المنطقة وخارجها، فمن عرفني شعراً سمعني ومن سمعني ولم يقرأني من قبل قرأني، وهذه هي الإضافة بالنسبة لي.

* قيل بعدها إن الأوبريت (اتكأ) كثيراً على موروثات فرسانية دون وجه حق؟ وإنه بدونها لم يكن لينجح.. من خلال قربك من الأوبريت ومعرفتك بالموروثات الفرسانية وكاتب الأوبريت ومن عمل فيه.. بماذا تعلقين على ذلك؟

- للأمانة الأدبية فإن الأوبريت اتكأ على موروثات المنطقة كلها، ولم يكن موروث فرسان إلا جزءاً صغيراً وبسيطاً لولا الأوبريت لما عرف الناس خارج المنطقة فلكلورها الجميل. وحقيقة فإن الشاعر أحمد السيد عطيف قد بذل جهداً كبيراً في بحثه عن موروثات المنطقة وإبداعه في توظيفها توظيفاً رائعاً بحيث ظهرت كل قطعة فيه منسجمة مع الأخرى، وأكملها الفنان صالح خيري بلحن الفنان القادر على صياغة الجمل الموسيقية برؤية جديدة؛ فأبدعا الاثنان معاً فيها وأتقنها بقية المشاركين في الرقصات بزخم مهاراتهم الفنية فبدا لوحة رائعة من الجمال.

* لا شك أن الموروثات الثقافية السائدة شكلت صوراً نمطية متفاوتة عن الرجل والمرأة.. دعينا نسألك عن رؤيتك حول واقع المرأة في إطار الموروثات الثقافية، خصوصاً في ظل أن منطلقات التنشئة عندنا تعطي الأولوية للطفل الذكر على الأنثى؟

- هذه هي الحقيقة المرة فعلاً. والشيء الموجب للتساؤل أن الدين الإسلامي أعطاها كل الحقوق، والمجتمع سلب الحقوق من الدين تحت اسم العادات والتقاليد، وجعلها من صميم الدين..!، ولكي نصحح أوضاع المرأة فلا بد من ثقافة جديدة تغرس في فكر أفراد المجتمع من الطفولة عن طريق الأسرة والقبيلة التي ما زالت - خاصة في الجنوب - تحظى بالولاء والطاعة ثم المدرسة ليعرف الطفل الرجل فيما بعد أن هذه المرأة شريكته في الحياة وليست جاريته للحياة.

* إذن هل نستطيع القول إن النقص الأنثوي هنا مرده إلى موروثات وتقاليد وعادات لدى الوالدين، وإذا وافقتني في ذلك فكيف تخطت الشاعرة زينب غاصب ذلك؟

- الوالدان والأسرة هم من أفراد المجتمع بالتأكيد، وينبثقون من خلاله، وأنا لم أتخط الحدود بقدر ما أخذت من صميم حقوقي، وربما خروجي مع الأسرة من الجنوب مبكراً، وتربيتي في البيئة الحجازية بمدينة جدة كان له دوره في إثراء ثقافتي، مع أن الوالد - رحمه الله - كان محباً للعلم وألحقني بالمدرسة إلا أنه توفي وأنا في الصف الأول الثانوي، وكان خالي (إبراهيم) هو الذي وقف ويقف خلف نجاحاتي، وأعطاني الثقة لإيمانه بأنني لا أرتكب خطأ، ولا أسلك عيباً، وهو يرى الآن ثمار غرسه الذي أدين له به أطال الله عمره.

* فهمت أنك ممن يرون أن القصيدة هي جنس شعري بينما المقالة هي جنس نثري؛ فالأول شاعر والثاني كاتب.. ولكن هنا هل يمكننا أن نخرج الكاتب من (الشاعرية)؟.. وإذا اخترت نعم أو لا؛ فالكاتب الشاعر هل يمكن أن نسميه كاتب (قصيدة النثر) ثم ألا ترينها دليلاً على فقر (وزني)، فيما يراها البعض الآخر إبداعاً في ظل توقف (العمودية) عن تقديم حضور أفضل والحاجة إلى التجديد؟

- أنا لست ممن يؤمن بالقصيدة النثرية على أنها شعر، ولكنني أتذوقها وأكتبها أحياناً بطريقتي. والكاتب الشاعر قد يكون لأسلوبه أحياناً بعض الشاعرية في كتابة الموضوعات النثرية البعيدة عن القضايا. كتابة القصيدة النثرية تختلف عن المقالة ولها أيضاً ضوابط وليس شرطاً أن تكون فقيرة في الوزن فأنت تجد (أدونيس) مثلاً يكتب شعراً تفعيلياً أحياناً، وتجد (الماغوط) يتمسك أحياناً بقافية ووزن مع الخلو من موسيقى الشعر.

* لو طلبت منك التفضل بتوجيه رسالة قصيرة إلى الأسماء التالية:

- فرسان.

- إبراهيم مفتاح.

- حمزة المزيني.

- قينان الغامدي.

- الشاعر أحمد السيد عطيف.

- الشاعر عبدالرحمن موكلي.

- رئيسة اللجنة النسائية بنادي جازان الأدبي.

- الشاعرة حليمة مظفر.

فماذا تقولين؟

* إبراهيم مفتاح: شاعر فرسان الأول، ومؤرخها الجميل، وهرم من أهرامها الثقافية، وموسوعة في تراثها وفلكلورها وهو أستاذنا الكبير في الأدب والخلق.

- حمزة المزيني: كاتب متميز جريء، مثير للجدل فيما يطرحه من أفكار قد تزعج بعض الفئات المنغلقة.

* قينان الغامدي: كاتب مسكون بالهم الوطني، افتقدنا قلمه.

- أحمد السيد عطيف: شاعر فصحوي رائع، وشاعر لهجي أروع. وإن لم يكتب قصيدة فيكفيه إبداعه في أوبريت جازان أثناء الزيارة الملكية.

- عبدالرحمن موكلي: شاعر متألق، له قصائده الجميلة التي يعزفها على أوتار عشاقه ومحبيه، وله تقنيته الخاصة بشعره، ويكفي أنه صاحب الصالون الأدبي الوحيد في منطقة جازان.

- رئيسة اللجنة النسائية بنادي جازان الأدبي أ. تنوير هندي: أكاديمية مثقفة، وشخصية محبوبة، ولديها الطموح في صنع منافذ للخروج بالمرأة الجازانية المثقفة إلى دائرة الضوء.

- حليمة مظفر: حزمة ضوئية متقدة بوعي مستنير، وشهادتي فيها مجروحة لأنها صديقتي، ولكن أعمالها، سواء في مجال الصحافة أو الشعر أو غيرهما تشهد لها بذلك.

* ظهرت مؤخراً بعض الطرق الجديدة لتقديم القصيدة الشعرية مثل التجارب الشعرية المرئية التي تقدم فيها القصائد من خلال عروض بصرية ومؤثرات، وكذلك توجه بعض الشعراء لتسجيل دواوين صوتية على أشرطة كاسيت كما فعل نادي حائل ألأدبي.. كيف تقيمين ذلك وهل تؤيدين هذا التوجه؟

- نحن الآن في عصر الانفتاح الإعلامي السريع، وعلى الأديب، سواء أكان شاعراً أو قاصاً أو ناقداً أو ما شابه ذلك، أن يستغل كل القنوات الإعلامية المتاحة، وأن يطور نفسه معها ومن خلالها، وإلا فلن يجد له متسعاً أمام سيل الإصدارات الصوتية والمرئية التي استغلها حتى بعض أصحاب أرباع وأنصاف المواهب والمهرجين الباحثين عن البريق والشهرة السريعة، فكيف بمثل هذه الإصدارات البارزة والمعروفة في الساحة الثقافية؟ وبالتأكيد فأنا ممن يؤيد ذلك.

* تميزت نصوص زينب غاصب بانتهاج التفعيلة والعمودية في ظل بساطة ومباشرة واضحة.. كيف ستتخطى زينب غاصب نمط فخ السأم والتقليدية في ذلك والاحتفاظ بجمهورها، خصوصاً في ظل بقائها في دائرة معينة؟

- الشاعر مطالب بتطوير ذاته التي تظهر في قصائده ولكل رؤيته وأدواته الخاصة التي يستطيع من خلالها تغيير لونه ولغته. ولي طريقتي في كسر ما أراه تقليدياً وسائداً لأصنع قصيدتي المغايرة، وللمعلومية فليس من القصائد العمودية سوى ثلاث فقط.

* في لقاء ل(الجزيرة) مع وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور عبدالعزيز السبيل على هامش إحدى المناسبات الثقافية وجه ما يبدو أنه اتهام للمرأة بعدم (الفعل الثقافي) وذلك من خلال انتظارها للدعوات من قبل الرجل لارتياد النادي وطالبهن بطرق أبواب النادي وليس الانتظار.. هل تعتقدين أنه وضع الكرة في مرمى المثقفة؟ وأين يقف هذا من أمنية بعض المثقفات أن تصبح المرأة نائبة رئيس في النادي الأدبي وليس مجرد عضوة فقط؟ ألا تعتقدين أن تلك مبالغة وتجاوز غير مقبول لظروف المرحلة؟ وهل هناك رسالة تودين توجيهها له؟

- ولماذا لا تكون العبارة دعوة مباشرة للمرأة بالتعريف بنفسها ثقافياً عن طريق الأندية الأدبية، والاستفادة من فرص الانفتاح الأدبي والإعلامي، وسيأتي اليوم الذي ستكون فيه نائبة ورئيسة. يقول المثل الصيني: (لا تخش التقدم البطيء، ولكن إياك أن تقف جامداً). أما رسالتي له: افتحوا لنا معابر لخروج ثقافتنا خارج النطاق المحلي.

* يقول الدكتور عمر فروخ: (على الشاعر أن ينظر إلى الناس، أو أن يلغي الناس من حسبانه، فإذا ألغى الشاعر عنصر القراء عند نظمه الشعر، فلماذا ينشر شعره في ديوان؟ ولماذا يُنشد الناسَ شعره؟ يقول أنصار (الفن للفن) - مقطوعاً عن الجانب الاجتماعي من دين وخلق وعلم ومنطق، وعن كل صلة بالبشر - إن شاعرهم ينظم الشعر لنفسه ولأنداده القليلين. فما حاجة جمهور الناس إلى ذلك الشعر إذن؟ أين تقف زينب غاصب من ذلك؟

- الشعر والنثر والأدب عموماً لعامة الناس من القراء البسطاء. أما من يكتب لفئة أو للنخبة فالأجدر له أن يحرق نتاجه قبل أن يطوق نفسه بالعزلة، ويموت مغموراً، أما الفن فهو يطير من خلال تذوق المتلقي، ومقدرة الشاعر على صياغة الجملة الشعرية.

* لريح ظهري، والرفاق حقائبي..

ألمّ فيها ما اشتهى ظرفي,

وما لا أشتهيه..

وكلما أسبلت أوردتي..

تشدني الساعات

في رأس يتيه..

والوجه بستان قصي..

يكتب الرمش..

ويتلو بيدر المزن..

ومواسم الفصل الوجيه..

* * *

ما كنت أطرز مهجتي

إلا صنوفا.. من لظى عشقي,

انظم منها..

ما اصطفاه دمي,

وما يخاصر قامتي,

ولست ممن ينحني,

خلف النقيض..

صادرت من نفسي,

بقايا رعشتي,

وغطشت بالأنوار,

خربشة الفريق..

* إلى أي درجة هي خصوصية لحظات الكتابة لدى الشاعرة زينب غاصب؟.. وما طقوسها؟

- الشعر حالة وجدانية انفعالية، تأتي بلا لحظة، بلا موعد. وهي تأتي الشاعر ولا يأتيها، وليست لدي طقوس معينة في كتابتها، وحالما تأتيني كتبتها، فقط ألتمس الهدوء وأبتعد عن الضجيج ثم أتركها لأعود لمراجعتها وتعديل بعض المفردات فيها بعد فترة.

* ختاماً.. هل يمكن أن تشير شاعرتنا إلى أبرز المحطات التي كانت الأكثر (تأثيراً) في موهبتها وحياتها الأدبية والعملية؟

- المحطات كثيرة، ولكني أرى أن المحطات الأخيرة هي الأكثر إثراءً ونضجاً وتجربةً. شكري ل(الثقافية) على حضورها المتميز.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة