Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
نصوص
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 
صلاح القرشي في رواية (بنت الجبل):
حكاية تستقصي مآل حي مكي نحو مظان الذكرى
عبدالحفيظ الشمري

 

 

بأسلوب شيق، ولغة رشيقة يطل صلاح القرشي على القارئ بعمل روائي جديد وسمه بعنوان (بنت الجبل) وضمنها رؤية استنطاقية لمآل الفضاء التاريخي لحياتنا نحو الركام غير المفيد على نحو ما تتركه بعض الحكايات وما أورده القرشي في روايته الميالة دائماً إلى استرجاع ما هو ما ضوي بقرب الصورة الغائبة في الوجدان حتى يسقطها على الواقع المعاش، لنلمحه في هذه الرواية وقد تحول إلى شاهد حقيقي على قوة العلاقة بين ابن (الخانسة) حسن، و(نرجس) وأشخاص آخرين أسهموا في بناء معادلة الحياة الوادعة.. تلك التي تثير في الذائقة رغبة الاستقصاء عن مآل هذه الوجدانيات التي تسكن حي الجبل قرب الحرم المكي الشريف؛ فذاك هو الفضاء المكاني الذي دارت به قصة الحياة المعاندة؛ حيث تجلت قصة (غياب) حسن في السجون لانتسابه إلى جماعة غررت به، فيما ظلت نرجس على حافة النسيان حينما عصفت بأهلها نوائب الزمان ليغادروا جميعاً (الجبل) أو (الخانسة) متوجهين إلى المهد الأول؛ الوطن الأم (اليمن) لتسير الأحداث على نحو شيق.

الرواية تأتي على هيئة تعددية في إسناد السرد، إذ يتزعم حسن يشقْ الحكاية الأولى، فيما أخته تنفرد برواية أخرى، وكذلك (نرجس)، و(عبدالله) حيث حملوا بالتناوب تبعات سرد حكاية الجبل لولا أن الكاتب صلاح القرشي طعمها بحكاية عاطفية ندية وشيقة؛ إذ علت مسحة الوجدانيات، وعرَّض بشكل فني متقن تداخلات الحياة في حقبة شهدت آخر التحولات الأليمة؛ فلم يعد هؤلاء الأشخاص (الأبناء) في حي (الخانسة) قادرين على التغيير في مواقف أهلهم، لأن القوة الكامنة في الحي المكي تنعكس على أهله لنرى الشدة، والحزم والانشغال عن كل ما هو إنساني إلى ما هو جاد وشاق يرتبط في مسيرة البحث عن اللقمة.

انشغل الروائي القرشي ي وصف معاناة جيل محدد من سكان الجبل، ليورد وبدراية، وتركيز العديد من الرؤى الذاتية، ويرسم الكثير من الصور عن مآل الحي العجيب لا سيما حينما خرج حسن من السجن متوجهاً إلى حارته القديمة لعله يملأ رئتيه برائحة ذلك الماضي الذي توقف دورانه في السجن، فها هو يحاول جاهداً أن يعيد علاقته مع الأرض التي حرم منها منذ عقدين أو أكثر، ليجد أن الحياة قد تغيرت، وأن الأشخاص تبدلت أحوالهم، فمنهم من رحل إلى رحمة الله، وآخر هجر البلاد نحو بلاده الأصلية على نحو والد نرجس الذي قرر العودة إلى اليمن، وآخرون تباعدت بهم الأحياء، وتناءت بهم الأيام فلم يبقى بينهم إلا الذكرى الحزينة، والخواطر الجزعة من قال تلك الوداعة نحو تخوم الغناء.

قصة وراء قصة، وحكاية خلف أخرى؛ ظل الرواة يوزنون فيها معزوفتهم الشقية.. تلك التي لم يعد للفأل وجود فيها لنرى (حسن) وقد شغل في حكايته مع التدين حتى حدود الارتماء بأحضان غواية الجماعات، والتطرف في الرأي والمشورة إلى أن انقطع عن الحياة المتوازنة والسوية، لنراه وقد سرد بتجرد رحلات بحثه عن ذاته في (بيشاور) و(كابل) وبأماكن أخرى لكن مآل حياته لم يكن أحسن حالاً ممن حوله، لنراه وقد وقع ضحية لأعمال لم يتقنها.

فالروائي صلاح القرشي ومن خلال هذا العمل (بنت الجبل) يضيف بعداً تجذيرياً لحالة الكتابة حيث لم تعد الحكاية مأخذاً، إنما باتت قصة من التاريخ العابر شأنها شأن قصص حميمة أخرى في (حي الخانسة، إذ برع في استقصاء معالم حكاية أهله في غيابه من خلال إفادات الأشخاص الآخرين ومن خلال ما اعتمد عليه من الذاكرة لمخزون حكائي هائل، أسهم في بناء هذا المنجز السردي الجميل.

هي رواية متكاملة الأجزاء، عصرية التركيب الفني، حميمية الذكرى، واقعية الأحداث، فبهذه الأركان الثلاثة يضيف (القرشي) وببراعة إلى المكتبة العربية رواية تستحق القراءة والاقتناء لما اشتملت عليه من صور حية في الوجدان والذاكرة.

الرواية تنتهج -كما أسلفنا- أسلوب الاسترجاع، حيث يعمد الرواة إلى تكثيف دلالات القص الموحي بزمن بعيد، من أجل استشراف حالة أعمق في الوجدان لا سيما، حينما تعالج الرواية أثر الحنين في رسم تفاصيل حالة خاصة يتميز فيها أهل تلك الأحياء القريبة من الحرم المكي الشريف، حيث تبين الذاكرة صافية ونقية لأن تنقل الكثير من الرؤى المعبرة على نحو ما أورده الكاتب القرشي في روايته باقتدار يحسب له نجاحاً في التجربة الروائية.

***

إشارة:

* بنت الجبل (رواية)

* صلاح القرشي

* دار وجوه للنشر والتوزيع -الرياض- 2007م-1428هـ

* تقع الرواية في نحو (114 صفحة) من القطع المتوسط

* لوحة الغلاف للفنان حاتم حسن

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة