Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
سرد
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 
قصة قصيرة
زنجبيلة
فوزية الشدادي الحربي

 

 

بعد أن أنهى دراسته الجامعية وأقفلت بوجهه أبواب الوظائف، قرر أن يشتري ما تبقى له من مال تركه له والده سيارة نقل كبيرة، وأعلن عبر الصحف اليومية عن سيارة لنقل المعلمات..

خلال يومين فقط غص هاتفه بأرقام المتصلين..

لا يهم قال لنفسه: المنطقة بعيدة ثلاثمئة كيل لكن المبلغ جيد..

أخذ يتعرف على بيوت المعلمات، يخرج قبل صلاة الفجر.. صوت منبه السيارة يشق صمت شوارع الرياض النائمة، تبدأ رحلة برية ثلاث ساعات متواصلة حتى يصلن إلى مدارسهن. كانت هذه الساعات الطوال تقصر حيث الأحاديث الطريفة والهمس والضحك. لم يكن هو بمعزل عنهن رغم وجود ستارة فاصلة. أصبح يعرفهن تماماً، ويفرق بين كلامهن وضحكاتهن.. حتى إنه يميز نكهة قهوة كل واحدة ورائحة نعناعها..

كانت هي الأكثر قرباً لقلبه تهدي له صباحه بكل خجل. تمد له كأس القهوة. تناوله حبات التمر قبل أن تبدأ بزميلاتها. كان يعرف (بآل محمد) لأنه يناديهن بأسماء آبائهن ولا يسمح نهائياً بتبادل الأسماء (الأنثوية) الصريحة.

رسم بمخيلته لها شكلاً مختلفاً عن بنات الكون، إذا غابت عن الحضور تضيق أنفاسه، ويضيق به الطريق الرحب.. وتدور في رأسه الهواجس والأسئلة!

كان يريد أن يحتفظ بشيء منها حتى لا تضيع من بين يديه. في ذلك الصباح البارد ناولته كأس الزنجبيل تسبقها كلمة (سم) فكر وفكر، كيف يحتفظ بها بين أشيائه وبسرعة قال:

هل تسمح إحداكن أن أستعمل هاتفها لأمر ضروري؛ لأن هاتفي لا يرسل (وهو يعلم يقيناً أنها أول المبادرات). أخذ هاتفها وأرسل مكالمة لهاتفه، ثم ضغط (حفظ)، لكنه احتار ماذا يسميها كتب ومسح ثم ثبت اسم (زنجبيلة).. بعد أسبوع ذهب مع والده وعمه إلى بيت زنجبيلة..

خطبها من والدها الذي غضب ورفض طلبه بحجة أنه يأمنه على ابنته بهذا الطريق الطويل، ولم يكن يظن لحظة أنه سينظر إليها.. كانت النتيجة غير متوقعة له، وصدم أكثر عندما تعاقد والدها مع صاحب سيارة أخرى.. أكل قلبه الهم والغم. مضت سنتان وما زالت ذكراها محفورة في أعماقه.

في مساء ذلك اليوم البارد كان يحتسي الزنجبيل ويلتف بعباءته الصوف، دق هاتفه، لم يصدق، دقق النظر أكثر، وأكثر، إنها زنجبيلة! كاد يطير فرحاً! كان صوته في الجهة الأخرى هامساً، قالت بأدبٍ جم: هل من الممكن أن تعود إلى بيتنا فجر السبت؛ لأنني لم أجد من يحملني لمدرستي؟ سألها بلهفة عن والدها قالت: توفي منذ عام رحمه الله..

عاد يحملها تسبقه دقات قلبه لدارها.. أيقن بأن ساعة الفرح قد اقتربت، ولم تمض ستة أشهر إلا وزنجبيلة تجلس على الكرسي القريب منه، وتناوله كأس القهوة وحبات التمر وتهمس له وحده بالحديث العذب..


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة