Al Jazirah Magazine Tuesday  13/03/2007 G Issue 210
الملف السياسي
الثلاثاء 23 ,صفر 1428   العدد  210
 

محام ٍأمريكي متسائلاً:
ما حدود (إسرائيل) المطلوب من حماس الاعتراف بها؟!

 

 
* إعداد - أشرف البربري:

منذ نحو عام رفعت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شعار ضرورة اعتراف حركة حماس بإسرائيل كشرط مسبق للتعامل معها. ولكن جون وايتبك المحامي الدولي الأمريكي مؤلِّف كتاب (العالم من وجهة نظر وايتبك) الذي عمل مستشاراً للمسئولين الفلسطينيين أثناء التفاوض مع إسرائيل نشر مقالاً في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور حول الأبعاد القانونية لصيغة الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل.

وفي هذا المقال يقول خبير القانون الدولي الأمريكي إنه منذ الانتخابات الفلسطينية التي أُجريت مطلع 2006 وتصر إسرائيل وأغلب الدول الغربية على أن العقبة الرئيسية أمام تحقيق أي تقدّم في طريق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو رفض حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) التي فازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني وشكلت الحكومة الجديدة (الاعتراف بإسرائيل) أو (الاعتراف بوجود إسرائيل) أو (الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود).

هذه الصياغات الثلاث المختلفة تستخدمها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمبرر للعقاب الجماعي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. كما أن وسائل الإعلام والسياسيين والدبلوماسيين يستخدمون العبارات الثلاث بالتبادل كما لو كانت تعني نفس الشيء رغم أنها ليست كذلك على الإطلاق.

(فالاعتراف بإسرائيل) أو بأي دولة أخرى هو عملية قانونية ودبلوماسية تقوم بها دولة أخرى في ضوء موقف تلك الدولة. ومن الهراء حقاً أن نطالب حزب أو حركة سياسية أياً كانت بالاعتراف الرسمي بدولة لأنهما كيانان غير متكافئان. ولذلك فالحديث عن قيام حركة حماس (بالاعتراف بإسرائيل) هو ببساطة استخدام خداع حقير وغير مقبول من أجل إجبار الشعب الفلسطيني كله على الاعتراف بإسرائيل.

أما عبارة (الاعتراف بوجود إسرائيل) فيبدو للوهلة الأولى أنه يتضمن اعترافاً مباشراً نسبياً بإحدى حقائق الحياة. وحتى الآن توجد العديد من المشكلات العملية في هذه الصياغة. فلكي نعترف بوجود إسرائيل نحتاج إلى معرفة (ماهية إسرائيل) وما هي حدودها؟ وهل هي مساحة 55 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية التي منحها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لليهود عام 1947 أو هي 78 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية التي احتلتها الحركة الصهيونية عام 1948 والتي تعتبرها أغلب دول العالم حالياً هي إسرائيل؟ أم أنها 100 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية التي تحتلها إسرائيل منذ حرب يونيو 1967 وهي إسرائيل كما تظهر في خرائط الكتب المدرسية الإسرائيلية حالياً، حيث تحتل إسرائيل كل أراضي فلسطين التاريخية دون الإشارة إلى الخط الأخضر الذي يفصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967 .

فإسرائيل لم تحدّد أي حدود لها منذ إعلان قيامها لأن رسم تلك الحدود يعني بالضرورة وضع قيود على توسعها. ولو كان هذا هو كل المطلوب من حركة حماس فقد يصبح من الممكن بالنسبة لحزب سياسي حاكم أن يعترف بوجود إسرائيل داخل حدود محددة كجزء من حقائق الحياة الواقعة اليوم.

وبالفعل فإن بعض حركة قادة حماس أشاروا إلى ذلك خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ونأتي للعبارة الثالثة وهي (الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود) والواقع أن هذا طلب قدم إلى حركة حماس والفلسطينيين بصيغة مختلفة تماماً. فهذه الصيغة لا تتحدث عن العلاقات الدبلوماسية الرسمية أو القبول البسيط بحقائق الواقع. ولكنها تنطوي على حكم أخلاقي أو معنوي. وهناك اختلاف كبير بين الاعتراف (بوجود إسرائيل) والاعتراف (بحق إسرائيل في الوجود) فمن وجهة النظر الفلسطينية فإن المطلوب منهم الآن يشبه تماماً مطالبة اليهود بالاعتراف بوقوع كارثة المحرقة (الهولوكوست) ثم مطالبتهم بالاعتراف بأن هذه المحرقة كانت مبررة أخلاقياً. فالأمر بالنسبة للفلسطينيين يعني مطالبتهم بالاعتراف بوقوع النكبة عام 1948 وهو التعبير المستخدم للإشارة إلى المأساة الفلسطينية عندما تم طرد الأغلبية العظمى من الفلسطينيين من ديارهم على يد العصابات الصهيونية خلال الفترة من 1947 إلى 1949. وهذا الاعتراف أمر ولكن مطالبتهم بأن تلك النكبة كانت مبررة أخلاقيا وأنه كان من حق الصهاينة القيام بها فهو أمر مختلف تماماً.

والحقيقة أن النكبة بالنسبة للفلسطينيين كارثة وظلم لا يمكن تصوره ولا يمكن نسيانه.

ولكي تطالب الفلسطينيين بالاعتراف (بحق إسرائيل في الوجود) فكأنك تطالب شعب تمت معاملته كأنه شعب من الدرجة الثانية ولا يستحق أياً من حقوق الإنسان الأساسية تطالبه بالاعتراف علناً بأنه بالفعل شعب من الدرجة الثانية. فاعتراف الفلسطينيين بهذا يعني ضمناً أنهم يستحقون كل ما جرى لهم وكل ما يجري لهم أيضاً. فحتى الحكومات الأمريكية في القرن التاسع عشر لم تطالب بقايا قبائل الهنود الحمر وهم السكان الأصليون للولايات المتحدة بالاعتراف (بصواب) عمليات التطهير العرقي التي تعرضوا لها على يد المستعمرين الأوروبيين كشرط لمجرد مناقشة منحهم ما يمكن اعتباره محميات خاصة بهم. كما أن السكان الأصليين لأمريكا لم يعانوا من الحصار الاقتصادي والتهديد بالمجاعة حتى يتخلوا عن كبريائهم ويقبلوا بمزاعم المحتلين.

اعتراف عرفات

ويعتقد البعض أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات سلّم بهذا المطلب الإسرائيلي لكي يحصل على الاعتراف الأمريكي والغربي ويستطيع دخول الولايات المتحدة. ولكن الحقيقة أن الرجل في بيانه التاريخي عام 1988 اعترف بحق (إسرائيل في الوجود في سلام وأمن). وهذه اللغة تحدّد وبوضوح تام شروط وجود أي دولة باعتبارها أمراً واقعاً وليس حقاً أخلاقياً أصيلاً. فعرفات في بيانه لم يتعرض بهذا الشكل إلى مسألة (صواب) ما قام به الصهاينة من ترحيل وتهجير للفلسطينيين من ديارهم ليحتلها شعب آخر جاء من بلاد بعيدة.

والحقيقة أن الأصل النظري لعبارة (حق إسرائيل في الوجود) واستخدامها كمبرر لعدم الدخول في محادثات مع أي قادة فلسطينيين يدافعون عن حقوق شعبهم يعود إلى وزير الخارجية الأمريكي اليهودي الأسبق هنري كيسنجر. ومن شبه المؤكّد أن تلك الدول التي ما زالت تستخدم هذه العبارة وتطالب الفلسطينيين بها تدرك تماماً ما الذي تمثّله هذه العبارة بالنسبة للشعب الفلسطيني من الناحيتين الأخلاقية والفلسفية.

ورغم ذلك فربما يتعامل بعض الناس من حسني النيّة وذوي القيم الإنسانية البريئة مع هذه العبارة بشكل سطحي على أساس أن الاعتراف (بحق إسرائيل في الوجود) مسألة مقبولة ومطلب طبيعي. وإذا كان (الحق في الوجود) مقبول فإن رفض الاعتراف به يجب أن يكون موقفاً شريراً دون النظر إلى حق الشعب الفلسطيني في التمسك بكبريائهم وكرامتهم كشعب كامل الإنسانية.

ولعل هذا ما يفسر لنا نتائج استطلاعات الرأي التي تقول إن نسبة الفلسطينيين الذين يؤيّدون موقف حماس الرافض للاعتراف (بحق إسرائيل في الوجود) تفوق نسبة الفلسطينيين الذين صوّتوا لصالح حماس في انتخابات 2006م.

هؤلاء الذين يدركون أهمية تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتطلعون إلى مستقبل مرضي لكلا الشعبين يجب أن يدركوا أن مطالبة حركة حماس بالاعتراف (بحق إسرائيل في الوجود) هو مطلب غير مقبول أخلاقياً ومن المستحيل تلبيته. كما عليهم أن يتمسكوا بأن العقبة الرئيسية في طريق السلام هي الحصار الاقتصادي المفروض على الفلسطينيين ولذلك يجب رفعه واستئناف عملية السلام وفقاً لقواعد العدل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة