Al Jazirah Magazine Tuesday  13/03/2007 G Issue 210
خارج الحدود
الثلاثاء 23 ,صفر 1428   العدد  210
 

شرق اوروبا تريد استعادة طيورها المهاجرة

 

 
* إعداد - محمد الزواوي:

من عدة سنوات ثارت ضجة كبيرة في باريس عن ذلك (السباك البولندي) الذي اتخذه الناشطون الفرنسيون رمزاً لحملة معتبرين أنه جاء (ليسرق الوظائف من الفرنسيين)، والآن جاء الدور على الأوروبيين الشرقيين الذين يتحسّرون الآن على خسارة عمالتهم، ليس فقط السباكين، ولكن كل الصناعات الخدمية.

جريدة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية نشرت تقريراً من أوروبا الشرقية، وتحديداً في عاصمة ليتوانيا فيلنيوس حول القلق المتزايد من شعوب أوروبا الشرقية.

(ريتا ستانكيفيشيوت) محررة الشؤون الرياضية في فيلنيوس بالعاصمة اللتوانية، تقول في أسى: (إذا أردت بعض الإصلاحات في شقتك لن تستطيع أن تجد أي عامل؛ هذا شيء سخيف، كما أصبحت الطوابير على محلات البقالة أطول بكثير، وفي الماضي عندما كنت أريد سيارة أجرة كنت دائماً ما أجدها في ثلاث دقائق، لكن الآن أجده بعد ساعة كاملة).

فمع تزايد شكاوى الأوروبيين الغربيين من الموجة الجديدة من الأوروبيين الشرقيين الذين دهموا بلادهم، هذه المرة من رومانيا وبلغاريا أحدث الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن تلك الدول لديها قلق معاكس: كيف نعيد هؤلاء المهاجرين إلى الوطن. فبالنسبة لدولة صغيرة مثل ليتوانيا، بمعدل مواليد منخفض ولكن معدلات كبيرة في الهجرة وإدمان الكحوليات والانتحار، فإن الوضع خطير للغاية. فتلك الدولة الشيوعية السابقة بسكانها الأربعة ملايين شهدت على الأقل 400 ألف حالة هجرة إلى الغرب، سواء للعمل في مجال البناء في دبلن أو جمع الفاكهة في جنوب إسبانيا، أو المساعدة في إجراء الأبحاث في الدول الإسكندنافية.

يقول زيلفيناس بيلياسكاس مدير مركز معلومات إعادة اللتوانيين الذي تدعمه الحكومة: (يجب علينا أن نعيدهم ثانية إلى بلادهم، ويجب علينا أن نعتبرهم جزءاً لا يتجزأ من أمتنا).

وقد انضمت وكالات أخرى مثل المنظمة الدولية للهجرة إلى حركة إعادة المهاجرين إلى أوطانهم, وقد كشف فرع فيلنيوس مؤخراً عن موقع جديد على الإنترنت باللغة اللتوانية وهو موقع (مركز معلومات الهجرة المستقل) والذي يكشف الحقائق لكل من اللتوانيين الذين يفكرون في الهجرة للخارج ولأولئك الذين يفكرون في العودة إلى بلادهم.

وتقول أودرا سيبافيشيني التي تدير مكتب فيلنيوس إن هذا الموقع هو الأول لوكالاتها بين الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي، وتضيف: (إذا ما غادر مهاجر لمدة خمس سنوات مثلاً، ففي معظم الأحيان يكون متشائماً جداً من أوضاع العمل في بلاده، ويفترض أن لا شيء تغير هناك، ولكن الوضع يتغير كثيراً، لذا إذا وفّرنا تلك المعلومات الجديدة في هذا الموقع فربما يعودون). ديمانتي دوكسيت صحفي ليتواني شاب أسس مؤخراً موقع Lietuviams.com لإبقاء مهاجري الخارج على اتصال بالداخل، ولكنه له هدف مختلف قليلاً: إظهار العاطفة.

اهتمام الدولة بالمهاجرين

يقول دوكسيت: (إن الهجرة تعد قضية يتحدث عنها الجميع هنا في ليتوانيا، ولكن المهاجرين لا يحظون باهتمام كافٍ من الدولة للأسف، لذا نريد توعيتهم بمزيد من المعلومات لجذب انتباههم، وتلك هي أسرع وأسهل وأرخص وسيلة لتحقيق ذلك).

وقد ازدهرت العديد من المواقع الإلكترونية المشابهة في الدول التي تزدهر فيها حالات الهجرة، مثل بولندا ولاتفيا وروسيا، فهناك كل شخص له قريب أو جار يعمل في غرب أوروبا.

وقد أصبحت الهجرة الاقتصادية إلى الغرب، سواء الشرعية أو غير الشرعية منها، ظاهرة منذ انهيار سور برلين منذ 17 عاماً. وبعض السياسيين في الشرق المتدهور اقتصادياً ترددوا في ركوب تلك الموجة. فمليارات الدولارات التي تأتي من حوالات المهاجرين سنوياً إلى المنطقة كانت بمثابة النعمة، وهذا الخروج قد خفّف من الضغوط لإنتاج وظائف جيدة الدفع بصورة سريعة.

وقد دفعت ظاهرة المهاجرين في تلك الدول الحكومات لمتابعة أرقام البطالة ومتابعتها، ففي يوليو الماضي صرح الاتحاد الأوروبي أن إستونيا وليتوانيا قد سجلا أعلى معدل انخفاض في البطالة بين كل دول الاتحاد الأوروبي. ويشير التقرير إلى أنه مثلما تضر هجرة العقول بالمصالح القومية مع هروب الشباب المتعلم والمتخصصين من أجل تحقيق أهداف ربحية في الدول الغربية الأكثر ثراء، فإن اختفاء الطبقة العاملة يضر بالصناعات الخدمية المحلية، ويؤدي إلى نقص عمال البناء وسائقي الشاحنات وموظفي محال البقالة والندلاء.

ولتعويض ذلك، بعض الموظفين في المنطقة تحولوا الآن إلى العمالة من أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا ومولدوفا.

وفي فيلنيوس، حيث هناك خوف من إعادة تحويل البلاد إلى الأحضان الروسية، فإن شعارات (ليتوانيا لليتوانيين) أحياناً ما ترتفع.

انهيار بولندي

ولكن دولة مثل بولندا، التي تعد أكبر عضو في الدول المنضمة حديثاً للاتحاد الأوروبي، أصبحت على حافة الانهيار، ولذلك أعلنت وزارة العمل البولندية في أغسطس الماضي أنها لن تفرض تصاريح عمل بعد الآن على المزارعين الذين يأتون من الشرق للعمل الموسمي.

ويقول البعض أن رفع الرواتب يمكن أن يعيد البولنديين ثانية، ولكن ذلك من شأنه أن يرفع أيضاً النفقات على أصحاب الأعمال، مما يجعلهم أقل تنافسية في الأسواق العالمية.

يقول الاقتصادي جاسيك كوكروسكي المستشار الإقليمي لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في براتيسلافا بسلوفاكيا: (إنه حلم لي بأن أعود إلى بولندا، ولكنه ليس كذلك لأنه سوف يقلّل راتبي بمقدار 30%، لذا فإن الكثيرين قد ذهبوا غرباً ويصعب عودتهم، فمن غير المتوقع أن يتلقوا رواتب مماثلة).

وتقول فيدا باجدونافيشين نائب المدير العام لقسم المغتربين بوزارة الخارجية الليتوانية إن الرواتب ما هي إلا جزء من المشكلة في ليتوانيا، وتقول إن معظم اللتوانيين ربما تصدهم البيروقراطية في ليتوانيا، إضافة إلى الفساد والجريمة، والأخيرة ضخمها الإعلام بصورة كبيرة جداً، مما أدى إلى تشاؤم المهاجرين، وتقول إن أحد المهاجرين في إيرلندا قال لها مسروراً: (إن الشعب الأيرلندي شعب مؤدب ومبتسم دائماً).

ويدرس المسؤولون الليتوانيون الآن التجربة الأيرلندية والتي طالما كانت مصدراً للهجرة، وتطورت تدريجياً لتحصل على لقب (نمر الزمرد) وأصبحت مكاناً جاذباً للمهاجرين.

ويعمل السيد بليوزكاس كعضو بقوة مهام تنسق ما بين الوكالات أنشأتها الحكومة في أوائل هذا العام لاقتراح طرق لاستعادة بعض من المصادر البشرية للبلاد وتستفيد فيه من خبراتهم التي تراكمت بالخارج.

وتتوقع المجموعة أن تجري اجتماعها الأول هذا الشهر ليقدم أفكاراً واقعية: قروض للأعمال الصغيرة وفصول خاصة لليتوانيين الصغار لإعادة إدماجهم بالمدارس، وبالنسبة للشباب فتقدم لهم منحة دراسية مدتها عام للدراسة أو إجراء الأبحاث التجارية في أحد المعاهد. وقد قام موقع Lietuviams.com بتجميع معظم المواد عن الحياة في ليتوانيا، مثل سياسات الضرائب وآمال الوظائف وأسعار العقارات.

تقول السيدة باجدونافوتشيني: كل الأمور تجتمع في النهاية لتصب في مسألة (جودة الحياة)، فالمهاجرون يتصلون بأهلهم وأصدقائهم، ويترقبون أي إشارة تفيد بأن الأمور قد بدأت في التحسن ليعودوا ثانية إلى أوطانهم).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة