Al Jazirah NewsPaper Friday  06/10/2006G Issue 12426مقـالاتالجمعة 14 رمضان 1427 هـ  06 أكتوبر2006 م   العدد  12426
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

الرأي

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

عفّة النّساء في الإسلام
د. محمد بن سعد الشويعر

ذكر النّويري في نهاية الأدب، حكاية أوردها ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى، تقع في 8 صفحات، تبين اهتمام وحرص نساء المسلمين وشباب المسلمين على العفاف، مراقبة لله، وحرصاً على تعاليم الإسلام، نجتزئ منها ما يتلاءم مع الحيز، ويعطي نموذجاً لشباب المسلمين أيام الدولة العباسية، في طفرتها، وتوسّع النعيم فيها..
فقد كان واحد من التجار ببغداد، حسن المروءة، كريماً عنده مال وفير يزيد على 1.30 مليون بحساب اليوم، فقدّم لضيوفه مائدة وعليها (ديكريكة)؛ اسم فارسي عن نوع من الأكل الجيّد، فأكل معنا بعد تمنّع من هذه الأكلة مجاملة، ولكنه غسل يديه أربعين مرة، فتعجب الحاضرون منه واعتبروا ذلك وسوسة.. فقال: مات أبي وسنّي عشرون سنة، وخلّف لي نعمة وفيرة، ورأس مال ومتاعاً في دكانه، فقال لما حضرته الوفاة: يا بني إنه لا وارث لي غيرك، ولا دَيْن عليّ، ولا مظلمة، فإذا متّ فأحسن جهازي وتصدّق عني وحجة، بارك الله لك في الباقي، ولكن احفظ عنّي فقلت: قل. قال: لا تسرف في مالك، فتحتاج إلى ما في أيدي الناس فلا تجده، وأعلم أن القليل مع الإصلاح كثير، والكثير مع الفساد قليل.
فالزم السوق، وكن أول من يدخله، وآخر من يخرج منه، وإن استطعت دخوله سحراً بليل فافعل، فإنك تستفيد بذلك فوائد، تكشفها لك الأيام، ومات فأنفذت وصيته، وعملت بما أشار به، وكنت أدخل السوق سحراً وأخرج عشاء، فلا أعدم من مجيء صاحب حاجة فأحتكم عليه: بيعاً أو شراء، ومضى زمن، فكان لي بذلك ربح، ومكانة عند أهل السوق.
وفي يوم كنت جالساً، ولم تتكامل السوق، وإذا بامرأة راكبة حماراً مصرياً، ومعها خادم، وهي بزي القهارمة، فبلغت آخر السوق، ثم رجعت فنزلت عندي، فقمت إليها وأكرمتها، وقلت: ما تأمرين؟ وتأملتها فإذا امرأة لم أرَ قبلها ولا بعدها إلى الآن، أحسن منها في كل شيء، فتكلمتْ وقالت: أريد كذا وكذا (ثياباً طلبتْها)، فسمعت نغمة ورأيت شكلاً، فعشقتها في الحال أشد عشق، وقلت: اصبري حتى يخرج الناس، فآخذ لك منهم، فليس عندي إلا القليل مما يصلح لكِ.
وخفت يطول الوقت والحديث فأهيم بها، فقمت وأخذت لها من التجار مع ما عندي، وكان قيمة ذلك خمسمئة دينار، فأخذته وركبت ولم تعطني شيئاً، وذهبتْ عنّي، حيث تداخلني منها حياء أن أمنعها من المتاع إلا بالمال، وأن استدلّ على منزلها ومن أي دار هي؟ فحين غابت عني وقع أنها محتالة، وأن ذلك سبب فقري، فتحيرت في أمري، وكتمت خبري لئلا افتضح بما للناس عليّ، وأجمعت على بيع ما في يدي من المتاع، وأضفته إلى ما عندي من الدراهم، وأدفع أموال الناس إليهم، وألزم بيتي وأقتصر على غلّة العقار الذي ورثته، وأخذت أشرع في ذلك مدة أسبوع، وإذا بها قد أقبلت ونزلت عندي، فحين رأيتها أُنسيت جميع ما جرى عليّ، وقمت إليها، فقالت: يا فتى تأخرنا عنك لشغل عرض لنا، وما شككنا في أنك لم تشكّ في تحايلنا عليك.. هات الميزان، فأحضرته فأخرجت دنانير فوزنت لي ما عليها لي، وأخرجت تذكره بأشياء آخر، ووفتني بالمطلوب، فأنفذت للتجار أموالهم، وطلبتُ منهم الذي أرادت، وحصّلت أنا ربحاً جيداً.
ونظرتي إليها ونظرتها إليّ تبين ما طرأ من شعور، فهممت أن أكلمها فلم أقدر، وجمعت المتاع فكان ثمنه ألف دينار، فأخذتُه وركبَتْ ولم تعطني شيئاً ولم أسألها عن موضعها، فلما غابت عني، قلت: هذه الآن الحيلة المحكمة، أعطتني خمسمئة دينار، وأخذت ألف دينار، وليس لي إلا بيع عقاري الآن، فأكون فقيراً، وغابت شهراً، وألحّ التجار عليّ بالمطالبة، فعرضت عقاري للبيع.
فبينما أنا كذلك إذ نزلت عندي، وزال عنيّ جميع ما كنت فيه لرؤيتها، فوزنت لي المال، ورمت إلي ورقة يزيد ما فيها على ألفي دينار وبكثير، وقالت لي: يا فتى ألك زوجة؟ فقلت: لا والله، وأطمعني ذلك في أن تكون زوجة لي، وقلت: هذا وقت خطبتها، والإمساك منها عجز، وأردت كلامها فَهِبْتها، وقمت كأني أحث التجار، وأخذت يد الخادم وأخرجت إليه دنانير، وسألته أن يأخذها ويقضي لي حاجة، فقال: افعل، وسألته التوسط بيننا في خطبتها، فضحك وقال: إنها لك أعشق منك لها، ووالله ما بها حاجة إلى السوق، فخاطبها ودعني فجسّرني وكشفت لها عن رغبتي، فضحكت وتقبّلت ذلك أحسن قبول. وقالت: الخادم يأتيك برسالتي، ونهضَتْ ولم تأخذ شيئاً، ورددته لأصحابه.
وبعد أيام جاءني الخادم، فأكرمته وسألته عن خبرها، فقال: هي والله مملوكة السيدة أم المقتدر، وهي من أخصّ جواريها، واشتهتْ رؤية الناس والدخول والخروج، وقد والله حدّثتْ السيدة بحديثك، وبكَتْ بين يديها، وسألتها أن تزوجها منك، فقالت السيدة: لا أفعل حتى أرى هذا الرجل، فإن كان يستاهلك، وإلا لم أدعك ورأيك، وتحتاج أن تحتال في إدخالك الدار بحيلة، فإن تمتْ وصلْتَ بها إلى تزويجك بها، وإن انكشفت ضُرِبَ عنقك، وهذه رسالتها، وهذه رسالتها، وقالت لك: إن صبرت على هذا، وإلا فلا طريق والله لك إليّ، ولا لي إليك بعدها، فحملني ما في نفسي أن قلت اصبر.
فقال: إذا كانت الليلة فادخل المسجد، وبُت فيه، فلما كان وقت السحر، إذا بطيّار قد قدم، وخدم قد رفعوا صناديق فارغة، فجعلوها في المسجد وانصرفوا، وخرجتْ الجارية فصعدتْ إلى المسجد والخادم معها، فجلستْ وفرّقت باقي الخدم في حوائج، واستدعتني ثم أجلستني في صندوق وأقفلته، وطلعت الشمس، وجاء الخدم بثياب وحوائج، فجعلت ذلك بحضرتهم في باقي الصناديق وأقفلتها، وحُملتُ إلى الطيار، فانحدر وقلت: قتلت نفسي وندمت، وأقبلت ألومها تارة، وأشجعها وأمنّيها أخرى.
وحمل الخدم الصناديق، وحمل الخادم الذي يعرف الحديث صندوقي، فكنت الأول وهي معي، فلما جاوزت البوابين قالوا: نريد أن نفتش الصندوق، فصاحت عليهم وقالت: متى جرى الرّسم معي هذا، فيمسكون عنها وروحي في السّياق، إلى أن انتهينا إلى خادم، خاطبته بالأستاذ، فعلمت أنه أجلّ الخدم، فقال: لا بدّ من فتح الصندوق الذي معك، فخاطبته بلين وذلّ فلم يجبها، فعلمت أنها ما ذلّتْ له وعندها حيلة، فأغمي عليّ وأنزلوا الصندوق ليفتحوه، فبُلْتُ من شدّة الفزع، فجرى البول من خلال الصندوق، فصاحت يا أستاذ، أهلكت علينا متاعنا، وقيمته خمسة آلاف دينار في الصندوق، ثياب مصبّغات وماء ورد، وقد انقلب على الثّياب، والساعة تختلط ألوانها، وهي هلاكي مع السيدة،
فقال لها: خذي صندوقك إلى لعنة الله أنت وهو، مُرّي، فصاحت بالخدم احملوا.. فأدخلت الغرفة ورجعت إليّ روحي، فبينما نحن كذلك، إذ قالت: واويلاه، الخليفة والله، فجاءني أعظم من الأولى، وسمعت كلام الخدم والخليفة من بينهم يقول: ويلك يا فلانة إيش في صندوقك؟ أريني هو، فقالت: ثياب لستّي يا مولاي، والساعة أفتحه بين يديها وتراه.
وقالت للخدم: أسرعوا ويلكم، فأسرعوا فأدخلتني إلى الحجرة، وفتحت الصندوق، وقالت: اصعد من هذه الدرجة، إلى الغرفة فاجلس فيها، وفتحت صندوقاً آخر، فقلبت بعض ما فيه إلى الصندوق الذي كنت فيه، وأقفلت الجميع، وجاء المقتدر وقال: افتحيه ففتحته، فكم شيئاً فيه، فَصَعِدَتْ إليّ وجعلت تقبلني وتضمني وتقول الحمد لله، أما أنا فنسيت ما جرى. ثم تركتني وأقفلت باب الحجرة يومها.
ثم جاءتني ليلاً فأطعمتني وسقتني وانصرفت، فلما كان من غدٍ جاءتني، فقالت: السيدة الآن تجيء، فانظر كيف تخاطبها، ثم عادت بعد ساعة مع السيدة، وقالت: انزل، فنزلت فإذا بالسيدة جالسة، وليس معها إلا وصيفتان وصاحبتي، فقمتُ بين يديها، فقالت: اجلس، فقلت: أنا عبد السيدة وخادمها، وليس من محليّ أن أجلس بحضرتها، فتأمّلتني وقالت: ما اخترت يا فلانة إلا حسن الوجه والأدب. ونهضَتْ.
فجاءتني صاحبتي بعد ساعة، وقالت: أبشر فقد أذنت لي في تزويجك، وما بقي إلا عقبة الخروج، فقلت: يسلّم الله، وفي الغد أعدّت عن طريق مثلما جئت، ورجعتُ لمنزلي وتصدّقت وحمدت الله تعالى على السلامة.
فلما كان بعد أيام جاءني الخادم، ومعه كيس فيه ثلاثة آلاف دينار عيناً، وقال: أمرتني السيدة بإنفاذ هذا إليك من مالها، وقالت: اشتر به ثياباً ومركوباً وخدماً، وأصلح به ظاهرك، واحضر يوم الموكب إلى باب العامّة، وقف حتى تُطْلَبَ، فقد وافق الخليفة على أن يزوجك بحضرته، فعملْتُ بما قالت.
وركبت في يوم العامة بزيّ حسن، فلما دُعيتُ دخلت، فإذا المقتدر جالس والقضاة وكبار الهاشميين عنده، فَهِبْتُ المجلس، وعُلّمتُ كيف أسلّم ففعلت، فزوجني المقتدر، لتزفّ إليّ في الليل.. ولما كنت جائعاً لم أطعم طوال النهار وأول الليل حيث أقفلت عليّ الأبواب، فقد قُمتُ أطوف الدار، فوقعت على المطبخ، فاستطعمت الطّباخين فلم يعرفوني وظنّوني بعض الوكلاء، فقدّموا إليّ هذا النوع من الطعام (ديكريكه) فأكلتُ وغسّلتُ يدي بأشنان كان في المطبخ، وعدت إلى مكاني، فلما جنّ الليل إذا طبول وزمور وأصوات عظيمة، وإذا أنا بالأبواب تفتح، وصاحبتي قد أهديت إليّ، وجاؤوا بها فجلَوْها عليّ، وكأنني في حلم، وكنت متزيناً، ولم أجدد الأطياب التي بعثتْ لي لطول مكثي.
ثم تُرِكَتْ معي في المجلس، وتفرّق ذلك الجمع من الوصيفات والزينات، فلما خلونا تقدّمت إليها، وهممت بتقبيلها شمتّ رائحة لحيتي، فرفستني ورمت بي عن المنصّة، وقالت: أنكرتُ والله أن تفلح يا عاميّ، يا سفلة وقامت لتخرج، فقمت وتعلقْتُ بها وقبّلتُ رجليها، وقلت: عرّفيني ذنبي واعملي بعده ما شئت؟ فقالت: ويحك أكلت ولم تغسّل يدك ولا فمك.
فقصصت عليها قصتي، فلمّا بلغت آخرها، قُلتُ عليّ وعليّ، وحلفت بطلاقها وطلاق من امرأة أتزوجها وصدقة مالي وكل ما أملكه، والحج ماشياً، على قدميّ وكل ما يحلف به المسلمون: لا أكلْتُ بعدها (ديكريكه) إلا غسّلت يدي أربعين مرّة، فاستحيتْ وتبسّمتْ وصاحتْ: يا جواري، فجاء مقدار عشر معهن ألوان من طعام الخلفاء، وبتّ معها بأطيب ليلة، ولم نفترق أسبوعاً حيث أقيمت وليمة عظيمة. وأعطتني أموالاً عظيمة، فاشتريت بيتاً كبيراً كثير الغرف واسع الصحن، وفيه بستان، فعشنا حياة سعيدة، وكَثُر مالي، وعظُمتْ منزلتي، وولدت هؤلاء الفتيان - وأومأ إلى أولاده - ثم ماتت رحمها الله.. (نهاية الأرب): 165- 173 وعلق النويري رحمه الله قائلاً: وبالجملة فلا يغترّ أحد بهذه الحكاية وأمثالها، فيجهل نفسه فينهكها، فما المفرّر محمود، وإن سلم.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved