Monday 14/10/2013 Issue 14991 الأثنين 09 ذو الحجة 1434 العدد
14-10-2013

حينما يختلط أخضر الصدق بأسود الكذب!

اختلط في عصر الإنترنت ووفرة المعلومات وسهولة الاتصالات حابل الخبر بنابل الحقيقة، واختلط أخضر الصدق بأسود الكذب، واختلط في عصر ثورة المعلومات ما هو حقيقي وما هو أسطوري وما هو مُختلق وما هو مفبرك،

وليس صحيحاً أن تقنيات الاتصال والمعلومات الحديثة اليوم كلها خير محض أو كلها صدق محض، بل إن الوفرة الوافرة من ذلك كله توفرت إلى وفرة وافرة من القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.. إن عصر المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع التي تنشر كل شيء فيه من الخلل والزلل بأكثر بكثير مما فيه من الصواب والحقيقة، ويكفي اليوم أن يعثر مدوِّن ما أو صاحب موقع ما على أي نص مكتوب أو مسموع أو مرئي بالصورة أو بتسجيل الصورة، فيحوِّله إلى نص موازٍ بزيادته أو نقصانه وبغير ما تحرٍ عن صدقه من كذبه، وفي العصر الذي يُراد أن تتحول فيه الفضائيات والصحف والمجلات والإذاعات إلى مجرد ومضات إلكترونية على الحاسبة، فإنه ليس صواباً كله أن نصدق كل شيء ونعتقد أن الإنترنت لم يفرط فيه من شيء، وأن كل المدوّنين وأصحاب المواقع هم ملائكة وقديسون، فهؤلاء وما يأتون به هم بشر تسري عليهم الأحكام والعوارض البشرية، تسري عليهم الضغوط والمؤثرات، وقد تؤثر في بعضهم قوى ظاهرة أو قوى خفية، وقد يكون لبعضهم غرضٌ غير ظاهر أو غرضٌ يختفي خلف ألف قناع وقناع.

إن الملاحظ اليوم أن أغلب الإذاعات والفضائيات والصحف الكبرى ومواقع الإنترنت والمحللين شغلوا بالجزئيات التافهة دون الحقيقة الناصعة، هذه الجزئيات فيها الغث وفيها السمين، وفيها الزيف وفيها الصدق، وفيها الحقيقة المرة، فيها ما أُريد أن يكون سماً في العسل، وفيها فحيح أفاعٍ، تنال من زيد أو عمرو بحق في زيد أو عمر أو بالباطل، لقد علَّمنا القرآن الكريم قاعدة كلية: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}.. وأي نبأ أشد فتنة ونتانة وفسقاً وكذباً من نبأ يسطره مجهول يقبع خلف مفاتيح اللوحة الصامتة ليكتب لنا أخباراً أو معلومة عارية من الصدق والحقيقة وليس لها أصل أو وجود، إن هلهلة فضائيات العنف الموجَّه والخرافة الزائفة والبهت الرمادي والهرطقة الصفراء، وهلهلة المحللين وأنصاف المحللين الذين يهرفون بما لا يعرفون ما هي إلا جزء من الحقيقة خُلط بألف جزء من الكذب، والحقيقة فيها بعيدة عن تهويل المهوِّلين.. إن الكذب الذي ليس كمثله كذب والنتانة التي ما بعدها نتانة هو أن يعمد من يعمد اليوم إلى أرض الرمال، فيثير فيها سحاباً فيصعد السحاب ليغطي العين حتى إذا أخرج أحدهم يده لم يكد يراها.. إن فتنة الإنترنت الكبرى التي نمر بها، فتنة عظيمة وشائكة وفجة، وهي تشبه بالضبط صفقة محامي الشيطان الذي يتعاقد مع شياطين الإنس والجن ليُوغلوا في الأفكار والعقول والدماء والقلوب والجراح، التي كلما بدأت تسكن يصيّرون الجراح جراحاً تتلو جراحاً، لكنها جراح صدئة ومنتنة ومنظرها قبيح، فيا مشعلي فتنة الإنترنت الكبرى.. يا مزينيها وموقدي نارها.. يا جمهورها والراقصين لها والمطبلين والمدرعمين، ترجّلوا سريعاً من خيولكم العرجاء الكسيحة واتجهوا نحو بياض الحقيقة.

ramadanalanezi@hotmail.com

ramadanjready @

 
مقالات أخرى للكاتب