Monday 14/10/2013 Issue 14991 الأثنين 09 ذو الحجة 1434 العدد
14-10-2013

من جلال الصورة

كنت بمعيّة طبيب أمريكي قبل سنوات فتحدث عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها أتت جامعة للأخلاق والمبادئ السامية والحق والعدل. وهل بمقدور أحد أن يخفي شمس الحق!، إذ نعلم كمسلمين عظمة هذه الخطبة وعظمة ملقيها،

لكن حتى من لا يدينون بالإسلام تجدهم يحنون رؤوسهم إجلالا لهذا النبي والدين الحق. يقول الباحث والمتخصص في الموارد البشرية والإدارة محمد النغيمش أنّ خطبة الوداع يقدر الوقت التي استغرقته بربع ساعة، والمعلوم أنّ البلاغة هي في إيصال الفكرة بأقل الكلام مضافاً إليه جمال العبارة وروعة الوصف، كما وتناسق الكلمات والسجع وغير ذلك من صور البلاغة. يصعب في مثل هذا اليوم الحديث عن جلالة هذا التوقيت حديثاً وافياً في مقال، لكن لعل إشارات أو ومضات تضيء زوايا تفكيرنا وجذوة إيمان ننير بها بعضاً من دربنا. يكفي تخيل جلالة الموقف حين ينزل العزيز الجبار إلى السماء الأولى فيباهي بالحجاج في هذا اليوم الملائكة، أي يفاخر بهم جل جلاله. أيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته عن هذا اليوم، حين قال (إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض)، والمعنى أنّ العرب قبل الإسلام كانت تؤخر بعض الأشهر الحرم فتجعل شوال مكان ذي القعدة وصفر مكان محرم، حتى يتسنى لبعض القبائل خوض حرب في غير الأشهر الحرم، في تحايل زمني ساذج ينم عن عقلية جاهلية. حتى بزغت شمس الإسلام فتم تحريم النسيء (أي تأخير الشهور والتلاعب بها) فعادت الشهور مكانها، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام (لقد استدار الزمان).

وكنت قد ذكرت في مقالات سابقة أنّ الإسلام في نصوصه وعباداته، فيه من الصور الجمالية والمعاني الراقية والغموض الجميل، الذي ما أن ينكشف حتى يزداد سمواً في وجدان المسلم. مثلاً حديث النبي عليه السلام عن رؤيته لنبي الله يونس على جمل يلبس قلنسوة من صوف يلبي حاجاً للبيت العتيق، وبالطبع هذه الرؤية هي لحادثة سابقة بحكم أقدمية يونس عليه السلام عن محمد صلى الله عليه وسلم، فانظر إلى عظمة المشهد وجمال المعجزة ومعانيها، إكراماً للنبي وتثبيتاً له عليه الصلاة والسلام .

شعيرة الطواف فيها من المعاني والصور الروحية ما يصعب حصرها، وهي صلاة إلاّ أنه يجوز فيها الكلام والالتفات والحركة العادية، ويماثل طواف المسلمين حول الكعبة عكس عقارب الساعة، يماثله دوران الكواكب حول الشمس، ودوران النيترونات حول نواة الذرة.

أما السعي بين الصفا والمروة، فبالإضافة إلى أنه تعبُّد لله تعالى، فيه محاكاة لفعل هاجر عليها السلام وسعيها بين هذين الجبلين قبل آلاف السنين، علّها تنظر إلى قافلة أو عابر طريق ينقذ وليدها إسماعيل بشربة ماء. هذه الشعيرة في الحج فيها ربط عظيم بنبيّ الله إبراهيم وآله، وتوحيده الذي هو توحيد آدم ونوح وموسى وعيسى، وصولاً إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم. أما شعيرة النّحر والهدي، فيكفي استرجاع قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع ابنه إسماعيل صلى الله عليهم وسلم جميعاً، من عظمة الصبر على البلاء والامتحان بذبح ابنه فداءً وطاعة لله، حتى إذا وضع الشّفرة على رقبة ابنه، ولنا أن نتخيّل الموقف، علماً بأنّ بعض كتب التاريخ تذكر بأنّ إسماعيل طلب من أبيه أن يضجعه على وجهه حتى لا تلتقي عيناه بعينيْ أبيه فيتراجعا عن تنفيذ أمر الله، فيا له من موقف تعجز عن حمله الجبال، إلى أن فداه الله بكبش كان يرعى في الجنة.

هذه خواطر تختلج في نفس المسلم في هذا اليوم الجليل، لا على سبيل الحصر ولكن ومضات كما قلت، تقبّل الله طاعاتكم واستجاب لدعائكم وحفظ حجاج بيته العتيق، وكل عام وأنتم بخير.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind

 
مقالات أخرى للكاتب