Monday 28/10/2013 Issue 15005 الأثنين 23 ذو الحجة 1434 العدد
28-10-2013

عندما نقاوم التغيير ثم نتغير

التغيير ليس سهلاً على كثير من الناس. في الحقيقة، الكثير منا لن يتغير ما لم يُفرض عليه التغيير. تخيل نفسك عندما كنت في رحم أمك، كيف كنت مرتاحاً، وتنعم بالأمان،

ولكن خلال فترة قصيرة يصبح المكان ضيقاً، ويزداد ضيقاً، وفجأة تشعر بقوة هائلة تدفعك إلى الخارج، وبمجرد ما تتأقلم مع الجو الخارجي والضوء والأصوات، وتجد طريقك إلى مصدر الرضاعة، تستقر وتطمئن؛ التغيير كان ضرورياً ومحتوماً.

معظم التغيير الذي يتحقق في الحياة يأخذ النمط نفسه.. التغيير ليس سهلاً على كثير من الأفراد والجماعات، ولكنه على وجه الخصوص عملية صعبة على المجتمعات المسلمة؛ فلديها نفور دائم من التغيير بسبب الاعتقاد المزمن الذي تحمله بعض النخبة في المجتمع المسلم، بوجود مؤامرة تغريب تحاك من وراء الكواليس، تستهدف الاستيلاء على فكر الأمة المسلمة أو التأثير عليه؛ ليتجه باتجاه المدنية الغربية، ويخيّل لهم أن مقاومة التغيير هي عملية فضح لتلك المؤامرة، دون إعطاء فرصة لأنفسهم لإدراك الفرق بين التغريب والتحديث. التحديث: اتباع عمليات التنمية التي سبق استخدامها من قِبل الدول المتقدمة حالياً. وهناك من يرى أن التحديث عملية يتعين على كل بلد أن يمارسها في سبيل اختصار الطريق إلى قطف ثمار التنمية، ومن ثم البناء على النتائج المحققة، والانطلاق منها إلى آفاق جديدة. متطلبات المجتمع تختلف من عصر لآخر، ويصاحبها تغيير في فهم الذات، والبعض يقاوم التغيير كلياً، وهناك من يرغب في التغيير المحدود، والبعض الآخر يطالب بتغيير جذري.. بواسطة الرسم يمكن تبسيط آلية التغيير؛ لنعتبر الهرم الشكل المناسب الذي يعبِّر عن شرائح الرأي في المجتمع. عند قمة الهرم يوجد الرأي المؤثر، أو ما يسمى برأي النخبة، وعند قاعدة الهرم تتسع دائرة الرأي، أو ما يسمى بالاتجاه العام (مين ستريم)، وعند منتصف المسافة بين القمة والقاعدة يحصل التدافع بين رأي النخبة والاتجاه العام، وفي النهاية يجب لأحدهما أن يسود على الآخر.

يمكن تقسيم التغيير إلى اختياري ومفروض. التغيير الاختياري ينطلق بتأثير من رأي النخبة لما يحظى رأيهم من احترام بين أوساط المجتمع، وبسلاسة ينساب إلى قاعدة الهرم فيستقر، ويشكل الاتجاه العام. والعكس صحيح؛ التغيير المفروض يبدأ عادة عند قاعدة الهرم بين عامة الناس، وعندما يتشكل الاتجاه العام ويصبح واقعاً مفروضاً تبدأ آثار التغيير في الصعود ببطء إلى قمة الهرم، وآخر من يتأثر به النخبة، عندها يصبح التغيير رضوخاً للأمر الواقع، وليس اختيارياً..

والخلاصة أن هناك أمثلة من واقع الحياة تجسد الفرق بين التغيير الاختياري والتغيير المفروض. على سبيل المثال: كثير من أبطال قناة اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي كانوا في يوم من الأيام من أشد الرافضين لاستخدامها، بحجة أنها انفتاح لا محدود على العالم؛ وفي ذلك خطر على أخلاق أبنائنا وبناتنا، ولكن في النهاية ساد الاتجاه العام، وأصبح استخدامها أمراً واقعاً لا سبيل لرفضه. على عكس التغيير الاختياري الذي يجب أن تنطلق شرارته الأولى من النخبة. على سبيل المثال: احتمال قيادة المرأة للسيارة سيبقى تغييراً اختيارياً في حال تبنت النخبة الرأي المؤازر لقيادة المرأة للسيارة، عندها سينساب رأيهم تدريجياً إلى مختلف شرائح المجتمع، ويتشكل الاتجاه العام المرحب بقدوم التغيير. وعدم المؤازرة أو التباطؤ سيمنح الوقت للاتجاه العام ليتشكل ويسود، عندها تصبح قيادة المرأة للسيارة تغييراً من النمط المفروض.

khalid.alheji@gmail.com

Twitter@khalialheji

مقالات أخرى للكاتب