Saturday 23/11/2013 Issue 15031 السبت 19 محرم 1435 العدد
23-11-2013

عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي

بدأت البارحة بمدينة فاس المغربية فعاليات منتدى فاس العاشر حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورو متوسطية في موضوع: عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي، وكل مرة

يتطرق منتدى تحالف الحضارات السنوي إلى موضوع آني عليه مصالح البلاد والعباد ويستدعي كوكبة متخصصة من المفكرين ورجالات الدولة والجامعيين والأكاديميين ورجال الدين والثقافة، ويُنظم في مدينة فاس الغراء التي كانت ولا تزال تراثاً علمياً بامتياز، وقطباً جامعياً وعلمياً وثقافياً وأكاديمياً لا يُعلى عليه... كيف لا وهي مدينة جامعة القرويين، ومدينة الجامعة الأورومتوسطية، ومدينة جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وهي مجتمعة تساهم في بناء صرح علمي تنموي متميز.. كما أن الموضوع الذي اخترناه لهاته السنة هو موضوع الساعة، وهو الاستثمار في التربية والتعليم والبحث العلمي وهي مكونات معادلة توازنية واحدة، فالوطن العربي بحاجة إلى إعادة النظر في هاته المنظومة مجتمعة وهي التي لوحدها تحقق التنمية والتنمية الهادفة، فالمطلوب من العالم العربي الآن هو البحث عن قاعدة تعليمية صلبة ومتمكنة، وهذا يستلزم جهداً كبيراً من كل المعنيين بشأن التعليم لمعرفة مدى ملاءمة المناهج التربوية والنظام التعليمي المسطَّر مع الأهداف المرسومة والإستراتيجيات المرجوة، وهذا العمل يقوم به باستمرار مثلاً القائمون على الإدارة التربوية العامة في أمريكا وفي اليابان، خصوصاً إذا استحضرنا نسبة الأمية التي تصل في بعض الأقطار العربية إلى 60 في المائة، في حين أن هذه النسبة تنعدم في الدول الصناعية، كما أنه ليس لدينا أي تصور في إعداد وإيجاد الحلول للمشاكل المستعصية في السياسات التعليمية.

وهذا الجانب يحيلنا على معادلة أخرى وهي التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي في عالمنا العربي، والتنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون الإضرار بقوة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً أيضاً بالنمو الاقتصادي.

وتظهر دراسة المشهد العلمي فيما بين 1996 و2013 اضطراباً لا مثيل له في تصنيف أحسن المدن في نشر العلم في العالم.. وهكذا، فقد حسنَّت كلٌ من نانجين Nanjing وشنغاي Shanghai وساو باولو Sao Paulo من رتبتها بنسبة 20، وسيول Seoul وطايبي Taipei بنسبة 10 إلى 20 رتبة، هونغ كونغ Hong-kong وبيجين Beijing بنسبة 5 إلى 10 رتبة، في حين تراجعت أو ظلت في مكانها كل من لندن وباريس ونيويورك وبسطن وتورونتو وبرلين وموسكو.

فبفهم جيد واستيعاب لهذا التصنيف، يمكن لقادة الجامعات طرح السؤال الأساس الذي يُواجه كل جامعة تطمح للعالمية، ويتعلق الأمر بكيفية ضمان حضور فعّال في الدائرة العالمية للمعارف، حيث دون هذا الحضور ستظل المعارف المنتجة محلية، وطنية أو جهوية، وستظل، بالتأكيد، هذه المعارف مفيدة في المكان الذي أنتجت فيه لكن نشرها سيظل محدوداً.. لكن، كيف يمكن لهذه المعارف أن تساهم في تطوير الاقتصاد المحلي والجهوي أمام المنافسة الشرسة في إطار عولمة اقتصاد المعارف؟.. كل شيء يتعلق بطرح السؤال الأساس التالي: ما هي جامعة القرن الواحد والعشرين؟.. وهذا السؤال هو واحد من المواضيع التي يتطرق إليها المؤتمر، فتطور الجامعة يكمن في استجابتها الفعّالة ودون تخوف من التحديات التي تطرحها كلٌ من:

1 - العولمة.

2 - التدويل.

3 - تكتل التعليم العالي.

4 - تقدم تقنيات المعلومات والاتصال.

5 - تسويق المعرفة.

إن جامعة القرن 21 في طريقها للإقلاع.. وتقلع هذه الجامعة في المكان الذي توجد فيه رؤية بجانب إرادة سياسية قوية وتمويل وفير.. ويمكننا أن نذكر من بين هذه الجامعات، جامعة الملك عبد الله للعلم والتكنولوجيا (KAUST) بالعربية السعودية، و NUS-Yale Liberal collge بسنغافورة ويديرها رئيس أمريكي، والآن الجامعة الأورومتوسطية بفاس.

لقد أُنشئت آلاف الجامعات في العقود الأخيرة خصوصاً في آسيا والشرق الأوسط، حيث تتنافس أحسن المؤسسات والدول الغنية جداً على أحسن الطلاب وأحسن الأساتذة وأحسن الباحثين.

كم من هذه الجامعات سيصبح مستقبلاً جامعات للبحث من النوع الجيد؟.. وكيف ستصل إلى هذا المستوى ما دام هذا الوضع يمنحها الاعتراف والامتياز أيضاً؟.. فسنغافورة مثلاً استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في العشر سنين الأخيرة لإنشاء مؤسسات للبحث ذات جودة عالية بجلبها للباحثين الأجانب.. إن نضج جامعة ما يتطلب وقتاً.. ففي بعض الدول المقلعة، تمت إعادة النظر في نموذج فون هامبلت Von Humbolt، حيث بدأت تبحث عن أقصر طريق لتكوين حاملي الدكتوراة (PhD)، بدل 4 أو 6 سنوات الحالية.. إنه السؤال الذي تطرحه بعض المؤسسات الأكاديمية في الصين.

خلاصة القول، إن الجامعة التي تسعى إلى تحقيق التميز على المستوى الجهوي والعالمي، تحتاج إلى قادة ذوي رؤية ومواهب خاصة، وتمويل ملائم وكثير من الوقت.

ثم إن دولاً كاليابان والبرازيل وكوريا الجنوبية استثمرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في المورد البشري، فأصبحت دولاً متقدمة وأصبح البحث العلمي فيها متطوراً وغذّت دولاً يُضرب بها المثل... كما يكفي الرجوع إلى تقارير التنمية البشرية لتمثل ذلك.. فحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 فإن اليونان وحدها تترجم إلى الكتب اليونانية أضعاف ما تترجمه الدول العربية الاثنتان وعشرون، حيث لم يتجاوز مجمل الكتب المترجمة إلى العربية 300 كتاب، ومند سنوات، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بنشر تقرير حظي بقراءة واسعة النطاق، وأثار الكثير من الجدل والإشكالية.. وتناول التقرير بالدراسة والفحص تقدم المنطقة العربية باتجاه تطوير المعارف والمهارات والمؤسسات التي تحظى بتقدير في الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر.. وقدمت تلك الدراسة والتي جاءت تحت عنوان “تقرير التنمية البشرية العربية: نحو بناء مجتمع المعرفة” شرحًا شاملاً في ما يخص “الخلل المعرفي” بالإضافة إلى وصفات شاملة للإصلاح.. وأكد التقرير على أن هذه الإصلاحات يجب أن تكون بدافع عربي صرف، ولكنه اشترط أن يقوم العرب بأنفسهم بهذه الإصلاحات، مع تأكيده على ضرورة انفتاح العرب على العالم وزيادة مشاركتهم في الشؤون العالمية.

فمن مسؤولية الجميع اليوم في الوطن العربي الإقدام على اتخاذ قرارات شجاعة لتحقيق الملاءمة بين التكوين العلمي والمهني والتقني وبين مستلزمات الاقتصاد العصري، وتشجيع البحث العلمي والابتكار، والانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة والاتصال، ولبلوغ هذه الغاية، سيقترح المنتدى سلسلة من التدابير الملموسة وعدداً من التوصيات القابلة للتطبيق من شأنها إعطاء نفس جديد لنظام البحث العلمي والتقني في الوطن العربي من خلال تبني إستراتيجية كفيلة بتأهيل البحث العلمي والتقني الوطني، وجعله في خدمة التنمية.

وبالرغم من الركود النسبي الذي يعرفه البحث العلمي العربي والصعوبات التي تعترض مساره وتنميته، فإن منتدى فاس يبرز بعض الإيجابيات والإنجازات التي تم تحقيقها والتي بإمكانها أن توفر مرتكزات جيدة يجب توسيعها، كما أنه يقدم اقتراحات وإجراءات واقعية من شأنها أن تخلق الظروف المناسبة لإقلاع حقيقي في ميدان البحث العلمي وإعطائه نفساً جديداً.. مما يقضي التحلي بمقاربة شمولية وذات نفس طويل الأمد وتقديم مجموعة من التوصيات من شأنها أن تجعل البحث العلمي في عالمنا على سكة التقدم بصفة مستدامة وقوية ودائمة.

مقالات أخرى للكاتب