Friday 24/01/2014 Issue 15093 الجمعة 23 ربيع الأول 1435 العدد
24-01-2014

لعبة مؤامرة تدمي سوريا إلى أين؟

بلاد الشام تعيش حرباً ضروساً أطرافها لاعبون كبار أعضاء في منظمة الأمم المتحدة، التي كان تأسيسها عام 1945 على أنقاض عصبة الأمم لدعم السِّلم والعدل الدوليين، هؤلاء اللاعبون الدب الروسي وطهران والعراق والغول الأمريكي الحاضر الغائب من أجل عيون إسرائيل..

و(الدمية) التي تحرك كالشطرنج هو طاغية الشام الذي باع والده العميل عندما كان وزيراً للدفاع الجولان بـ (50) مليون دولار للدولة العبرية، وأزهق أرواح (40) ألف من أهل السنّة في حماة.

اليوم وبعد أكثر من (33) شهراً قتل أسد هذا الزمان (الفأر) أكثر من (200) ألف من أهل الشام غالبيتهم العظمى من أهل السنّة والجماعة، وشرّد الملايين إلى خارج البلاد سيبلغ عددهم في أواخر هذا العام أكثر من (2.5) مليون إنسان، ناهيك عن مشرّدي الداخل الذين يبلغون الملايين.

إنها حرب مفتوحة معروف أطرافها ضد شعب قام مناهضاً لحكم الدكتاتور طالباً تقرير مصيره، لم يرتكب منكراً ولا جريمة، يطلب العزة والكرامة والحياة الكريمة مثله مثل بقية الشعوب، وهذا هدف من أهداف الأمم المتحدة الذي يبدو جلياً أنها عدّلت عنه أمام الضغط الروسي والأمريكي، رغم أنّ الرئيس الأمريكي السابق ولسن له كلمة شهيرة قالها في السابع والعشرين من مايو عام 1916 «إن لكل شعب الحق في اختيار السيادة التي يعيش في ظلها».

لكن الواقع المعاش اليوم أنّ الإدارة الأمريكية تضع في أذن (عجينة) وفي الأخرى (طينة) وهي ترى شعباً يذبح وتسيل دماؤه في الشوارع أنهاراً، أما الدب الروسي فهو يصفق طرباً لما يشاهده من جرائم إنسانية بشعبه ومعه حكام طهران والعراق وحزب الشيطان، فقد نجحوا في كبح جماح الإدارة الأمريكية على درب تقسيم النفوذ، وأمريكا ترى في ذلك عذراً مقبولاً ما دام إن الأمور كلها تصب في مصلحة أمن الدولة الإسرائيلية، وتدمير سوريا لتعود إلى العصور المظلمة.

أمريكا وروسيا ومعهم النظام المجوسي يدركون مفهوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد على حق الشعوب في التعبير عن إرادتهم ضد الظلم والقهر والقتل والتشريد، وهي حقوق أقرها القانون الدولي والأعراف الدولية ومنظمة الأمم المتحدة، لكن هذه الدول أخذت على نفسها أن تضع تلك القوانين والقواعد الدولية في (سلة المهملات).

بهذا أصبح أهل الشام، وهم الغالبية السنّية، يخضعون اليوم لسيطرة أجنبية متعدّدة الأطراف وفقدوا كل حقوقهم الإنسانية التي بدونها لا يمكن للجماعات ولا للأفراد أن ينالوا الحرية والعزة والكرامة التي هي صلب الحقوق المعترف بها دولياً، بعد أن أصبحوا ضحية لعدوان ظالم تشنه عليهم دول وأحزاب متعددة.

كثيرون يتحدثون عن أنّ العالم الشريف لا يمكن له أن يتخلّى عن شعب أبي يصرخ طالباً الحماية من المعتدين البغاة، مناشدا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الوقوف إلى جانبه ضد سلطة طاغية استعانت بدول أجنبية كبرى لقتل أفراد الشعب وجماعاته، بل واحتلال البلاد بطريق مباشر وغير مباشر، وسيّرت الطائرات والصواريخ والمدرعات وأسلحة الدمار الشامل والجنود لقتل شعب أعزل ليس له سوى مطلب واحد، التحرُّر من العبودية والدكتاتورية والعنصرية البغيضة.

إنه عالم ظالم، أين أمريكا التي تدخلت في العراق واحتلته لإنقاذ أهله بزعمها؟ وتدخلت في ليبيا مع أوربا وأسقطت القذافي، وأين أوربا التي قاطعت زمبابوي، لأنّ رئيسها أعاد الأراضي الزراعية إلى المواطنين من غاصبيها؟ إنه عالم ظالم جاحد لا يعرف إلا المنفعة الضيقة، ولا تحركه إلا المصالح؟ ولأنّ مصلحته مع إسرائيل، فلسان حاله يقول: ((لا أسمع لا أرى لا أتكلم))، إنه وضع كئيب ومشين يصعب على الوصف.. تقصر عنه الكلمات، فها هو الشعب السوري يُضطهد ويُقتل ويُشرّد من قِبل دكتاتور سلطوي ودول ظالمة تناصره وتقاتل إلى جانبه.

ويبرز هذا المشهد الكئيب ومنظره البشع ليسجل التاريخ نكبة إنسانية لشعب أراد حياة كريمة على أرضه، فحوّل طاغية سوريا ودول معه حياته إلى جحيم، حدث ويحدث هذا أمام العالم الذي يرفع شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وعلى رأسه (أم الديمقراطيات) أمريكا.

العالم يشاهد بإعلامه الحديث شعباً تمطره الطائرات الحربية الشرسة بالقنابل والصواريخ، فدكّت المساجد والبيوت والمؤسسات والمصانع، وهدمتها على رؤوس الناس، فقتلت الرجال والنساء والأطفال العزّل وحوّلت أجسادهم إلى أشلاء وأسالت دماءهم أنهاراً، وانتشرت المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها، وتعدّدت المجازر الرهيبة في كل مدينة وقرية وفي الشوارع والطرقات.

القصف الجوي والبري والبحري عنيف وحاقد ولئيم، لم يفرق بين كبير وصغير، وبين صحيح ومريض، هدفه إرهاب أهل الشام، أرادوا أن يزرعوا فيهم الخوف وروح الاستسلام ، حتى أنه قتل خلال (33) شهراً أكثر من مئتي ألف إنسان بريء، ناهيك عن مئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمشرّدين بالملايين، ولكن الشعب السوري لم ترهبه الصدمة، ولم يخفه عنف القذف الذي مارسته الآلة العسكرية الروسية والإيرانية وحزب الشيطان وجنود جزار الشام وآلته العسكرية، لأنهم من أُمّة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران 173، لأنهم من أُمّة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال 45.

إنّ التاريخ الإنساني والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية ومبادئ حقوق الإنسان وقانون محكمة الجنايات الدولية، التي تنظر هذه الأيام وبعد (9) سنوات على ارتكاب جريمة اغتيال السيد رفيق الحريري رحمه الله، لن ينجو منها مجرمو الحرب الدامية في سوريا الحبيبة وفي مقدمتهم الأسد الذي أصبح نعامة وأعوانه وكل مجرم لطخ يديه بدماء الشعب السوري، وهذا تكفله مواد قانون محكمة الجنايات الدولية والقانون الدولي والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وبالطبع المحاكم المحلية التي سيتم تأسيسها بعد التحرر من هذا النظام الفاسد وزبانيته.

وإذا كان المبلغ الذي حدده المانحون في اجتماعهم في الكويت الأربعاء الماضي قبل انعقاد مؤتمر جنيف 2 الفاشل مسبقاً وبلغ 2.4 مليار دولار، ضمن خطة للأمم المتحدة لمواجهة المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري والتي تخطط الأمم المتحدة لاستفادة حوالي (16) مليون إنسان سوري من بينهم 13.4 مليونا في داخل البلاد والآخرون خارجها، فإنّ هذه المساعدات قد تضمد جراح البعض وتقلل من ألم الجروح النازفة والدموع الهادرة، لكن الأهم أن تنعتق هذه الأموال وغيرها من قبضة الفساد لتبلغ المحتاج الأساسي لها، فالفساد منتشر ظاهر للعيان ريحته (عفنة) على مستوى المساعدات في داخل سوريا وخارجها!!

ثم إنّ الأهم أن تقوم الدول العربية الشريفة المناصرة للحق والوقوف ضد الظلم والعدوان بالضغط المتكرر على روسيا وطهران والعراق، المالكي الذي تبرع بـ (13) مليون دولار لينطبق عليه المثل القائل (تمخض الجمل فولد فأرا)، الضغط على هذه الدول لمنع تدخلها السافر في بلاد الشام وتسيير خبرائها وجيوشها لقتل الأبرياء.

ولا شك أنّ لأمريكا دوراً (خطيراً) وهي ضالعة في لعبة مؤامرة تدمير الشام وتحويله إلى دويلات تحقيقاً لأمن إسرائيل ويطبق نظام الشرق الأوسط الجديد، وهذا يتطلب موقفاً عربياً شجاعاً تجاه هذه الدول، والمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز لها مواقفها المشرفة تجاه كل القضايا العربية والإسلامية، وهي التي تتبنى قضية سوريا وشعبها إحقاقاً للحق ورفعاً للظلم ونصرة للمظلوم وهي أكبر داعم لذلك البلد الشقيق، وهي التي قدمت (3) مليارات دولار لدعم لبنان الذي تطاله كارثة سوريا، وهي التي أسقطت حقها في عضوية مجلس الأمن وألغت كلمتها إمام الأمم المتحدة لتعلن موقفها العربي بعزّته وقوّته ونخوته ضد الدول التي تقف مع الباطل ضد الحق، فهل تقدم الدول العربية الأخرى على مواقف واضحة وصريحة اقتداءً بمواقف المملكة .. التاريخ سيكتب.

Eml:dredaljhani@hotmail.com

رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة

مقالات أخرى للكاتب