Friday 24/01/2014 Issue 15093 الجمعة 23 ربيع الأول 1435 العدد
24-01-2014

نزعة مشتركة بين البشر

موردٌ من أندر وأقيم الموارد.. يمر وينتهي من نفسه.. لا يمكن إيقافه ولا يمكن استرداده، لكن من خلال استخدامه بطريقة منتظمة من الممكن فهم الطرق التي تزيد من كفاءة استغلاله كأي موردٍ آخر.. إنه الوقت.

لكن ماذا لو أصاب هذا المورد الثمين علة التسويف والمماطلة واختلاق الأعذار كما هو حاصل في عصرنا الحالي، وماذا لو استجبنا أيضاً طواعية للعوائق التي تحول دون استثمار هذا المورد في إنجاز أعمالنا كتكرار كلمة (بعدين بعدين)، لتصبح هذه الكلمة قاسماً مشتركاً في قاموس حياتنا نرددها نحن ويرددها أبناؤنا غير عابئين بالنتائج ولا بالآثار والعواقب المترتبة من وراء تكرار هذه الكلمة التي ربما تكون الحسرة والندم.. هي من أقسى هذه النتائج لتبقى شوكة توخز في الضمير.. فكم من عملٍ خسره صاحبه بسبب التأجيل.. وكم من فرصة ضاعت من اليد بسبب التسويف.. غالباً ما يرتبط سلوك التسويف والمماطلة بخداع الذات.. فالإنسان المسوف يخلق لنفسه أعذاراً ومبرراتٍ وهمية تساعده على التشبث بهذه الخصلة المذمومة كأن يقول لنفسه مثلاً هذا عمل بسيط أستطيع أن أنجزه في أي وقت أو سأقوم بهذا العمل غداً.. أو نجد من يصنف الأعمال حسب رغباته وليس حسب أهميتها وفائدتها.

السؤال الوارد هو.. ما الذي يدفعنا إلى المماطلة والتسويف وخلق أعذار وتأجيل أمور ربما تُحْدِثُ تغييراً في حياتنا؟ ولماذا أصبح التسويف عادة عند الغالبية العظمى من البشر؟

تقول الدكتورة سوزان كراوس أستاذة علم النفس في كتاب لها بعنوان (البحث عن الوفاء) التسويف نزعة مشتركة بين البشر جميعاً وبشكل عام.. وهو شعور داخلي متواطئ لتقدير اليوم الذي نعيشه أكثر من يوم الغد.. والكثير من الناس لا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة المهام الموكلة إليه لإنجازها.. وتشير الكاتبة إلى أن تسويف العمل يولد ضغطاً على أعصاب الإنسان فتبدو الضبابية في رؤيته للأمور ويشعر عندها أن هناك واجبات كثيرة وثقيلة تنتظره.. لذا يتشكى من قلة الوقت وأنه لم يستطع أن ينجز فيصاب بخيبة تدعوه إلى سلوك منهج التسويف.

إن أكثر الناس انضباطاً ونجاحاً في مختلف جوانب الحياة.. هم أقل الناس تسويفاً ومماطلة.. وهم أصحاب المبادئ العليا اجتهاداً وشعوراً بالمسؤولية ومثابرة وحسن إدارة للوقت.. ويحضرني في هذا المجال المؤرخ الكبير ابن جرير الطبري حيث تشير الروايات التاريخية بأنه ألف كتابه الموسوعي (تاريخ الأمم والملوك) بطريقة لا تعرف التسويف أو التأجيل، حيث كان يكتب يومياً أربع عشرة ورقة دون ملل حتى أنجز هذه الموسوعة القيمة.. أما الإمام البخاري فقد ورد في بعض كتب التاريخ أنه كان يوقد السراج في الليلة الواحدة أكثر من عشر مرات وذلك كلما خطرت له معلومة يدونها فربما لا تعود إن هو أجلها.. وهكذا هم أهل العلم ممن ألف مؤلفات هي كنوز وثروة للتاريخ والزمن ولا زلنا إلى يومنا ننهل منها العلم والمعرفة وستبقى نبراساً للأجيال.. كل ذلك كان بعزم وهمة لا تعرف التسويف أو التأجيل.. فأين نحن منهم اليوم.. وكم من الفرص تفوتنا بسبب التسويف والتأجيل أو بسبب ترديدنا الدائم لمصطلحات التسويف المقيتة والمتمثلة في (ممل.. لم يحن الوقت.. ما زال الوقت مبكراً.. مزاجي مضطرب) إلى غير ذلك من جملة العبارات المتشابهة والمحبطة؟

فيا ليتنا نتخلص من هذه الخصلة.. ونحرص على اغتنام الفرص الإيجابية، فالوقت لا نستطيع استرجاعه بعد فقدانه.. والشاعر يقول:

إذا هبت رياحُك فاغتنمْها

فإن العاصفاتِ لها سكونُ

ولا تغفل عن الإحسان فيها

فما تدري السكونَ متى يكونُ

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب