Wednesday 26/02/2014 Issue 15126 الاربعاء 26 ربيع الثاني 1435 العدد
26-02-2014

جمرات ونبضات!

منطقة الوسط في أغلب أحوالها وارفة الظل وحانية.. خالية من توتر التطرُّف وقلق الظنون.. تسكنها الصداقة والمصالح المشتركة والمتبادلة ولن تخرج عنها إلاّ للعداء أو القطيعة.

وأغلب الظن أنّ روّادها هم الأصلح للقيادة وسفراء السلام حتى على أراضي الحروب والجحيم.. لأنهم وسط في المشاعر.. من مكانهم يستطيعون التمييز بين الحق والواجب.. لا يميلون لخير مطلق أشبه بالانفلات وتداخل المساحات.. ويميّزون الحد الفاصل بين حسن النوايا والسذاجة.. ويفرّقون بين الحزم الذي يرافق التقويم.. والقسوة التي تحطم سدود الشر وتفتح أبواب الظلم.

في العلاقات الإنسانية لديهم مساحة ليست للأعداء ولا الأصدقاء كذلك.. خالية من أي مشاعر موجّهة لفئة لها الاحترام والتقدير والحقوق.. تلك الفئة عندما تغيب عن تصنيف الإنسان في علاقاته.. ينقلب أصدقاؤه إلى أعداء مع الوقت وإن طال.. يهان تاريخهم الذي جمعهم في منظر مؤسف ومخجل.. وتُسحق مشاعر غمرتهم.. كأن لم يكن بينهم عشرة لها مكانة في قلوب العظماء.. تمنعهم من أذية الآخر.. واستباحة أسراره للنَّيل منه بعد أن نُفي من حمى الرحمة والألفة.. فهذا التحوّل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يخبر عن خلل في الشخصية.. والإنسان الذي يقصي البشر بهذا الإجحاف خطر وليس له أمان.. ولدغته موجعة.. ولن يكون مرتاحاً.. كثير التنقل والتغيير في علاقاته.. لديه أصدقاء وأعداء ولا أحد غيرهم.. سوى بشر ليس لهم عنده قيمة أو اعتبار.. يطبق مبدأ إن لم تكن معي فأنت عدوّي وضدي.. وليس لك أن تبحث معه عن خيار رابع!

بداية عقد العلاقة مثل إنهائها.. له ميثاق وشرف لا يمكنك بأي حال من الأحوال أن تدنّسه وتظن أن يحترمك الآخرون وإن كانوا حديثي عهد بك.. مهما كانت أسبابك.. ولست مجبراً على التبرير.. يكفي أن تذكر الراحلين بخير أو تصمت عن عثراتهم.. هنا تكسب احترام ذاتك الأهم.. ومن ثم تحصل على مكانة لها الطهر يحني هامة التقدير.

فالنهايات والرفض أقدر على إظهار معادن البشر من غيرها.. حينما تتساقط الأقنعة تباعاً.. ولن يثبت إلا من لم يكن له قناع يخفي به ظلمة سريرته.. ومن وثق بالشاكي وأصدر حكماً قبل أن يسمع ويرى حال المتهم فهو شريك الظالم في ظلمه.. وإن بدا له صدق وصلاح الأول.. فالحكم الغيابي تصرُّف أحمق لا يخرج عن حيز المؤامرة وليس له في سمو العدالة مكان.

مع ذاتك.. وأُسرتك وإدارتك والشارع ومع الآخرين ومع وطنك وكل العالم.. ابحث عن منطقتك الوسط.. وتفقّد أحوالها.. خاصة إن كنت تعاني وجعاً ما.. ستجد اختراقاً لحدودها يحتاج منك صيانة وعدالة.. وقبل أن تتبنّى موقفاً.. لا تصدِّق كل دمعة.. ولا تثق في كل ابتسامة.. إنما تحقق وتبيّن.. فإنّ العدالة أمر مهيب وحاسم.. لا مكان فيه للتذبذب أو الرّكون إلى معلومات ناقصة أو غير موثّقة ودقيقة.

amal.f33@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب