Wednesday 09/04/2014 Issue 15168 الاربعاء 09 جمادى الآخرة 1435 العدد
09-04-2014

«الرياض - بكين» نحو آفاق جديدة في التعاون الإستراتيجي والاقتصادي

العلاقات السعودية الصينية يعود تاريخها إلى عام 1946م عندما تم توقيع معاهدة صداقة بين المملكة والصين، وبتاريخ 2 ربيع الآخر 1409هـ وقعت مذكرة تفاهم بين البلدين، بعد ذلك جاء تأسيس مكاتب تمثيل تجاري في العاصمتين، وقد مهد ذلك لإقامة العلاقات الدبلوماسية بعد توقيع وزيري خارجية البلدين في الرياض على اتفاقية لإقامة العلاقات الدبلوماسية في 29 ذو الحجة1410هـ. تلا ذلك في جمادى الأولى 1414هـ اتفاقية للتعاون الاقتصادي، وفي 25 جمادى الأولى 1418هـ وقعت شركة أرامكو السعودية، وشركة سايتو بك كوربوريشن مذكرة إعلان نوايا لتصدير البترول إلى الصين، ثم صدرت الموافقة السامية بإنشاء جمعية الصداقة السعودية الصينية في ربيع الأول 1418هـ.

وقد جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التاريخية الأولى إلى الصين بتاريخ 24 جمادى الآخرة 1419هـ وكان آنذاك وليا للعهد وهي الأولى لمسؤول سعودي على هذا المستوى منذ اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقد جاءت الزيارة الرسمية التاريخية الثانية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لجمهورية الصين الشعبية بتاريخ 22 ذي الحجة 1426هـ.

والواقع الحقيقي في صعيد السياسة والمتغيرات الدولية، لغة المصالح المتبادلة و(القوة) بمفهومها الشامل، في قاموس السياسة والعلاقات الدولية ومضمونها التعبير الخاص عن مصالح كل دولة فمصطلح (المصالح) بالنسبة للدول دائم ومستمر، لكن المبادئ التي يكثر الإعلان عنها إنما تتحرك مثل (الرمال) تتطور وتتكيف وتفسر من حين لآخر لتخدم المصالح التي عبر عنها القانون الدولي بأن قاعدتاه (القوة والمصلحة) وهو ما ينطبق على الدول وعلاقاتها ببعضها البعض.

وبتاريخ 13 من جمادى الأولى 1435هـ قام ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين، كانت زيارة تاريخية امتدادا لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للصين قبل ثمانية أعوام والتي أرست لعهد جديد في العلاقات بين البلدين كما قال سموه.

وقد اجتمع سمو ولي العهد بالرئيس الصيني في الثاني عشر من جمادى الأولى السيد شي جين بينغ حيث بحثا سبل تطوير علاقات الدولتين الصديقتين الإستراتيجية والقضايا الإقليمية والدولية، كما اجتمع سموه بدولة رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ وبنائب الرئيس الصيني لي يوان تشاو ورئيس وزراء الصين وشهد ولي العهد ونائب الرئيس الصيني مراسيم توقيع عدة اتفاقيات في عدد من المجالات المشتركة بين البلدين.

وقد اشتملت الاتفاقية الأولى على برنامج تعاون بين وزارة التجارة والصناعة السعودية والمصلحة العامة لمراقبة الجودة والفحص والحجر الصحي في الصين، فيما كانت الاتفاقية الثانية مذكرة تفاهم بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في المملكة وإدارة الفضاء الوطنية الصينية للتعاون في علوم وتقنيات الفضاء.

واشتملت الاتفاقية الثالثة على مذكرة تفاهم بشأن مساهمة الصندوق السعودي للتنمية في مشروع إنشاء المقر الجديد لجامعة لوليانغ بمحافظة شنسي الصينية.

وكانت الاتفاقية الرابعة قد اشتملت على التعاون في تنمية الاستثمار بين الهيئة العامة للاستثمار في المملكة وهيئة تنمية الاستثمار التابعة لوزارة التجارة في الصين، كما بحث ولي العهد ورئيس وزراء الصين آفاق التعاون بين الدولتين وتطويرها في جميع المجالات والمستجدات والأوضاع الإقليمية والدولية.

والصين بسكانها البالغ حوالي (1.4) مليار إنسان تواجه التحديات لتعلن عن نفسها (كقوة) وعن تطورها المتلاحق، وتحولت إلى عملاق ضخم في مجالات التقدم والاقتصاد والتطبيقات العلمية وشتى ألوان المعرفة والحداثة، واستطاعت أن تنافس أعظم الدول تقدماً.

واذا حددنا عناصر القوة التي تمتلكها الصين والهند وباكستان واليابان في السكان والمساحة والقوة الاقتصادية والعسكرية.. إلخ، فإن لزيارة سمو ولي العهد مغزى مهما يجعلنا نذكر الأمن باعتباره أساس وقاعدة كل نهضة وضرورة لا غنى عنها، وسرعان ما يتبادر إلى الذهن الارتباط الوثيق بين قضية الأمن الداخلي وقضية الأمن الخارجي والارتباط العضوي بينهما فهما متلازمان ولا يمكن الفصل بينهما في ظل نظام دولي جديد أحادي القطبية ثار التساؤل حوله هل سيبقى تحت هيمنة أمريكا؟ أم يعود ثنائياً كما كان!! ومن هي أطرافه المتوقعة؟ لنرى توازن قوي في العلاقات الدولية في الألفية الثالثة لتمثل علاقات قوة ونفوذ يتجاذبها لاعبون كبار مرشحون لتبوء مراكز الدول العظمى، وتبرز الصين والهند وباكستان كخيول متسابقة نحو المقدمة.

من هنا نستشف سر اختيار سمو ولي العهد للصين لتكون إحدى محطاته في الشرق، فهناك أشياء كثيرة مشتركة تتبلور في السعي نحو الحداثة مع الحفاظ على القيم والتقاليد والمبادئ الأساسية التي تحمي المجتمع من كل دخيل.

ومما يؤكد أهمية الزيارة التاريخية البيان المشترك الصادر بمناسبة زيارة ولي العهد الأمين للصين فالبيان من تحليله السياسي والاقتصادي والإستراتيجي يتضح أنه ركز على دفع عجلة العلاقات الإستراتيجية بين بلدين كبيرين عضوان في مجموعة العشرين التي تمثل اقتصادات الدول الكبرى، كما أن البيان أكد على الأهمية القصوى لاستقرار سوق النفط الدولية للاقتصاد العالمي باعتبار أن المملكة هي حلقة التوازن في تلك السوق الهامة والصين ثاني دولة مستهلكة له، ولا شك أن الاتفاقيات التي وقعت خلال الزيارة الهامة تعكس حرص البلدين على السير قدما في التعاون في مجالات عدة منها الاقتصاد والتجارة والاستثمار ومجالات العلوم والتكنولوجيا.

ولأن الدولتين في مقدمة اهتماماتهما جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، فإن البيان المشترك ركز على هذا المحور الهام، خاصة أن إسرائيل تملك ترسانة نووية يزيد عددها عن (200) رأس نووي، وايران هي الأخرى تسعى حثيثا رغم معارضة المجتمع الدولي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية.

والسياسة العربية بالأصل دفاعية ولا تقوم على العدوانية والهجوم، ومع هذا فإنها لا بد أن تؤطر لتعاون بناء مع الاصدقاء في هذه الحقبة المضطربة من التاريخ لحيازة التكنولوجيا المتطورة، مستفيدة من التجربة الصينية في مجال صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية من طائرات ودبابات وعربات عسكرية وإقامة مشروعات تعاون مشتركة.

والصين (مثلاً) ليست أمريكا التي تقدم دبابة أو مركبة أو صاروخا للعرب بمواصفات ومقاييس علمية وفنية أدنى بكثير مما يعطى لإسرائيل، وبذلك يمكن للمملكة الاعتماد على الصداقة الصينية بنياتها الحسنة كما أنها من جانبها تعرف عقلانية المواقف السعودية وصداقتها وحرصها على توطيد علاقات إستراتيجية.

ومعروف أن السياسة السعودية والعربية تقوم على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية والتعجيل بنزع السلاح النووي لأنه يحمل في طياته بذور الفناء الجماعي سواء عن طريق الاستخدام الخطأ أو وقوع هذه الأسلحة في يد إرهابية، رغم أن إسرائيل تصر على أن تحتفظ بورقة الردع النووي.

وعلى الجانب الآخر فإن توثيق العلاقات مع الصين فيه دعم لعلاقاتها مع السعودية وتعاونها في دعم عملية السلام في العالم والشرق الأوسط في صراع العرب مع إسرائيل ودعم مبادرة السلام العربية لحل هذا الصراع، ورفض سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين وكل ذلك يدعم الأمن القومي السعودي والعربي ويعني (القوة) التي ستبقى الشغل الشاغل للدول بديناميكيتها وحركتها وشريانا لعلاقاتها الإقليمية والدولية.

والمملكة وقادتها منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز رحمه الله عام 1351هـ تعتبر أن استقرار الأمن في الشرق الأوسط يكمن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والكل يعرف موقف المملكة واجتماع الملك عبد العزيز بالرئيس روزفلت عام 1945 في البحيرات المرة الذي ركز على القضية الفلسطينية، ولذا فإن البيان المشترك أكد على أهمية تحقيق السلام الشامل والعادل طبقا لمبادرة السلام العربية ومبادئ الشرعية الدولية وضمان إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تامة وعاصمتها القدس الشرقية.

اما الوضع المأساوي في بلاد الشام فإن من يحلل ذلك البيان المشترك الهام يتضح له حرص القيادة السعودية على دعم السوريين في الوصول إلى تسوية سياسية سلمية عاجلة طبقا لبيان جنيف (1) وهذا ما أيده الجانب الصيني بعد أن تشرد من السوريين أكثر من (6) ملايين وقتل منهم أكثر من (140) ألف إنسان طبقا لبيانات الأمم المتحدة ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين والسجناء.

ولأن الإرهاب عدو للإنسانية لا يرتبط بدين أو مذهب والمملكة والصين عانتا من هذا الداء الخبيث فإن البيان المشترك شدد على محاربته بجميع أشكاله وصوره باعتباره يهدد السلام والاستقرار في شتى أنحاء العالم.

وبهذه الزيارة التاريخية فإن سموه دعّم أسس علاقات إستراتيجية مع دولة كبرى وضع حجر أساسه وقواه أخاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز تلعب دورا بارزا في العلاقات الدولية ولقراراتها أثرها في صناعة القرار السياسي على المستوى الدولي، خصوصاً أنها تملك حق الفيتو في مجلس الأمن.

والمملكة أرض القداسات حاضنة الحرمين الشريفين، مركز الدين الإسلامي قوة نفطية عالمية وأكبر منتج ومصدر للنفط عالميا، ومن أهم الأسواق المستوردة للسلع الصينية وتلعب دورا رئيسا في نطاق السياسات الدولية والعربية والإسلامية.

وبعقد شراكات إستراتيجية مع الصين من خلال اتفاقيات عديدة سياسية واقتصادية ونفطية وتوسيع دائرة التبادل التجاري معها فإن هذا يمثل بعداً استراتيجياً هاما، فالصين رغم أنها دولة منتجة للنفط والغاز إلا أنها سوق واعدة للنفط العربي وفي مقدمته بالطبع البترول السعودي، حيث تستورد الصين حوالي 15 في المئة من الصادرات السعودية من النفط (1.1) مليون ب/ي ومن المتوقع أن يرتفع الطلب الصيني على النفط في عام 2030 ليبلغ حوالي 19 مليون ب/ي أي ما يعادل حوالي الاستهلاك الأمريكي من النفط اليوم، رغم أن عدد سكان الصين (1.35) مليار نسمة وعدد سكان أمريكا أكثر قليلا من (300) مليون نسمة.

وتؤكد بيانات مصلحة الإحصاءات العامة أن حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين عام 2012 بلغ (70) مليار دولار، وخلال عشر سنوات ما بين 2004 - 2013 بلغ (1.46) ترليون ريال وتبلغ قيمة الصادرات السعودية إلى ذلك البلد في عام 2012 أكثر من (1.88) مليار ريال بينما بلغت الواردات السعودية لنفس الفترة حوالي أكثر من (74) مليار ريال، وسجل الميزان التجاري بين البلدين فائضا لصالح المملكة حوالي (114) مليار ريال، وبذا فإن الصين تصبح ثاني أهم شريك تجاري للمملكة بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

وخلال زيارة سموه استقبل في مقر إقامته في بكين رؤساء الجمعيات والمراكز الإسلامية والجوامع في العاصمة الصينية بكين وعدد من المقاطعات الصينية واطلع ولي العهد خلال الاستقبال على أعمال الجمعيات والمراكز الإسلامية في الصين ورؤيتها المستقبلية مؤكدا اهتمام ورعاية السعودية بالمؤسسات والمراكز والجمعيات التي تعنى بالإسلام وشؤون المسلمين وتسعى إلى نشر العقيدة الإسلامية السمحة، كما قدم لهم قطعة من كسوة الكعبة.

وقدم سموه تبرعا ماليا بمبلغ ثلاثة ملايين دولار أمريكي مساهمة منه لبناء مراكز إسلامية وثقافية في الصين، وقد أعرب رئيس الجمعية الإسلامية في الصين هلال الدين تشنعن سعادة المسلمين في الصين بزيارة ولي العهد، ونقل شكر وتقدير جميع المسلمين في الصين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد على ما تقدمه السعودية للمسلمين وخاصة الحجاج والمعتمرين والزوار، كما قدم الشكر على تبرعه السخي داعيا المولى عزَّ وجلَّ أن يكون ذلك في ميزان حسناته.

وأعرب ولي العهد عن تمنياته لهم بالتوفيق، وحثهم على المحافظة على دينهم وعقيدتهم وأن يكونوا مواطنين صالحين منتجين في بلادهم، وأن يقدموا صورة إيجابية لدينهم القويم، دين الرحمة والسلام والتسامح والتعايش السلمي ونبذ العنف.

والله ولي التوفيق

info@dreidaljhani.com

رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة

مقالات أخرى للكاتب