Wednesday 16/04/2014 Issue 15175 الاربعاء 16 جمادى الآخرة 1435 العدد
16-04-2014

تدريب العمالة المنزلية

التربية في المجتمع هي مؤشر ظاهري لثقافته، إذ إنها تشتق فلسفتها وأهدافها وقيمها ورسالتها من ثقافته، وتزوده بمخرجاتها على هيئة أفراد مزودين بفنيات ثقافته، ويمكن الحكم على صحة ثقافة المجتمع من زيفها وقوتها من ضعفها من خلال التربية التي يقدمها لأبنائه.

والعمالة المنزلية على اختلاف جنسياتها ومهنها وأنواعها جاءت من بيئات ثقافية مختلفة عن ثقافة المجتمع المستفيد، وتربت على مفاهيم وقيم مختلفة عنه، وعليه فسلوكها يأتي منسجماً مع قيمها. وإذا كانت العمالة المسلمة تختلف عن البيت المسلم المستفيد في خصوصيات ثقافتها، فليس بمستغرب أن تكون خصوصيات العمالة غير الإسلامية تختلف قلباً وقالباً عن ثقافة البيت المسلم.

ليتفق معي القارئ الكريم أن العمالة المنزلية شر لا بد منه في ظروف الأسرة المعاصرة؛ بسبب مسؤوليات الأسرة التي تعقدت أكثر مما يجب وفرضت على الوالدين ضرورة استقدام عمالة في منازلهم تساعدهم في إنجاز بعض مسؤولياتهم.

ولا يستطيع أحد أن ينكر دورها في تخفيف أعباء بعض المسؤوليات.

وعلى الرغم من هذه الأهمية للعمالة المنزلية إلا أنه يصدر عنها تصرفات قد تتسبب في ردود أفعال غير سارة لدى الأسرة المستفيدة، وأنا مقتنع أن بعض العمالة غير قاصدة التسبب في أذية أفراد البيت، فهم يتصرفون على طبيعتهم ووفق تربيتهم في أقوالهم وأفعالهم كافة، حتى في إيماءاتهم، وبالتالي يصل الأمر إلى حالة الاستغراب عند الإنكار عليها وربما يتبعه تبريرات كثيرة.

لقد أكدت كتابات عدة عن التأثير السلبي للعمالة على أفراد الأسرة في قيمها الدينية والخلقية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والصحية، ويتفاوت هذا التأثير من أسرة إلى أخرى حسب الانضباط المتبع فيها. ففي الأسرة التي تعتقد بأن دور العمالة في البيت هو دور ثانوي أي من أجل المساعدة في أداء بعض المسؤوليات يختلف تأثيرها عن حال أسرة تمنحها الكارت الأخضر إيذاناً بالحرية التامة للتصرف في شؤون البيت مع الأطفال والزوج والزوجة والعمالة الأخرى في البيت.

وأكدت الكتابات أن الأفراد يتعلمون عن طريق النماذج من خلال التقليد أو المحاكاة، وتتمثل هذه النماذج في شخص الأب أو الأم أو الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى أو ممن يرتبط بهم لساعات طويلة من اليوم.

ومع أن تأثير العمالة الوافدة في المملكة العربية السعودية يختلف كماً ونوعاً عن تأثيرها في مجتمعات أخرى، وذلك بفضل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية السمحة إلا أنه يصدر عنها مشكلات متفاوتة في حدتها ونتائجها.

حيث تكثر حالات ارتكاب السائق للمخالفات المرورية ولاسيما المتعلقة بساهر، ويلزم بعض السائقين الآسيويين السير يسار الطريقة ويسير ببطء كما يفعل في مجتمعه، ويتبعها تضجر السائقين من خلفه، وتحرش بعض الخادمات بالأطفال زعماً منه بمساعدتهم، وتحرش السائق بخادمات البيت أو البيوت المجاورة ظناً منه بأن الأمر غير مستغرب، وممارسة بعض الطقوس الدينية التي ترفضها الأسرة السعودية، أو الشعوذة، أو التخويف بالاستعانة بالشياطين... الخ.

ومن حقوق العمالة تهيئتها لبيئة العمل الجديدة، فمثلاً سائق حديث الخبرة يجهل فكرة ساهر وعقوباته، وبالتالي قد يستغرب من كفيله محاسبته عند ارتكاب مخالفة مرورية، وخادمة جديدة لا تعرف المطبخ السعودي قد تتحرج من مساعدة الزوجة، أو خادمة متمردة قد تجهل عقوبات عمل الشعوذة أو السحر في المجتمع السعودي، أو عامل زراعي قد يستغل ثقة كفيله به ويحول جزءاً من مزرعته أو استراحته إلى مكان لصناعة المسكرات أو أماكن للممارسة الرذيلة.

وللجامعات الرائدة فكرة تطبقها مع الطلاب المستجدين ويمكن الاستفادة منها مع العمالة الوافدة ولاسيما حديثة الخبرة، حيث تخصص مدى زمنيا يصل إلى أسبوع يلتقي بعض أعضاء هيئة التدريس بالطلاب الجدد ليس على الجامعة وإنما على المجتمع فيتم تعريفهم بثقافة المجتمع الجديد حتى تأتي تصرفات الطلاب منسجمة مع سلوك أفراده حتى وإن كانت غير مألوفة أو مرفوضة لدى الطلاب.

وتكون هذه الفكرة مع العمالة في خطوتين، الخطوة الأولى بأن تقوم مقام وزارة العمل برصد مكاتب القوى العاملة الرسمية ذات الصيت المحترم خارج السعودية وإلزام مكاتب الاستقدام داخل المملكة بتعاون معها، وتضع عقوبات صارمة لا تقبل التسامح مع المكتب الذي يتعاون مع مكاتب غير معروفة في مجتمعات العمالة.

والخطوة الثانية تلزم مكاتب الاستقدام في الداخل بأن تكون مسؤولة عن تحقيق الشروط المتفق عليها مع أرباب الأسر، وفي حالة الإخلال بشروط كالخبرة بالنسبة للخادمة أو السائق تلزمها بعمل دورات تدريبية قصيرة يصل مداها من 5 إلى 10 أيام عن موضوعات عامة مثل: ثقافة المجتمع السعودي وضوابط الأسرة السعودية ومتطلبات تحقيق الأمن السعودي والعقوبات للمخالفين على اختلافها، وموضوعات خاصة تتناسب ومهنة العمالة.

ولعل الوقت مناسب هذه الفترة بعد حملة التصحيح، حيث لا يقتصر التصحيح على تعديل المهن وإنما يمتد إلى تعديل الفكر والسلوك، وهذا إجراء وقائي تتبعه الوزارة.

وهو غاية في البساطة تتطلب لجنة عليا على غرار حملة التصحيح تكون برئاسة مقام وزير العمل وبتعاون مقام وزارة الداخلية ومدعومة بقرار سياسي صادر من مقام مجلس الوزراء الموقر، وعضوية وكيل وزارة العمل وعضو من الشرطة وعضو من القضاء وعدد من المتخصصين التربويين والنفسيين والاجتماعيين.

ولا يجب أن تنتظر وزارة العمل من مكاتب الاستقدام الأخذ بزمام المبادرة؛ لأن المكاتب مقصرة جداً في الوفاء بتحقيق شروط استقدام العمالة وفق العقد المبرم بين طرفيه، وبالتالي لا ينتظر منها القيام بتفعيل هذا الاقتراح.

ومن عوائد هذا تفعيل هذا الاقتراح: العمل على منع تشكيل صور ذهنية غير سارة عن تعامل المجتمع السعودي مع العمالة، وإشعار حكومات العمالة بأن السعودية خير من يطبق حقوق العمالة، والحد من حدوث مشكلات قد تتسبب في جلب أحزان للأسر تمتد لأوقات طويلة، وتوفير نفقات قد تضطر الأسر إلى الضغط على مصروفاتها؛ لتوفيرها لمكاتب الاستقدام، وتخفف على مراكز الشرطة والمحاكم في جرائم العمالة.

حفظ الله بلادنا من كيد الكائدين وعبث العابثين، وهيأ لها كل مخلص يحب الخير لأهلها كما يحبه لنفسه وأهل بيته..آمين.

malnooh@ksu.edu.sa

كلية التربية - جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب