Saturday 19/04/2014 Issue 15178 السبت 19 جمادى الآخرة 1435 العدد
19-04-2014

عن زعامة العصر الأمريكي

في حفل فكري وعلمي بهيج استقبلت مدينة فاس الغراء، والدوحة اللجلج البيضاء، مدينة القرويين وتحالف الحضارات، منذ أيام خلت، الدكتور والمفكر الإستراتيجي الإماراتي جمال سند السويدي،

بمشاركة وحضور نخبة متميزة من المثقفين والمفكرين ورجالات الدولة من المغرب وخارجه وطلبة مغاربة وعرب وافارقة تعج بهم الجامعة المغربية، وأخذ المتدخلون الكلام تباعا اثنوا على القيمة الفكرية للكتاب ولصاحب الكتاب... ويأتي توقيع سعادة الدكتور جمال سند السويدي كتابه «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد» في المملكة المغربية بعد الإقبال الكبير، الذي حظيت به حفلات توقيع الكتاب، خلال الفترة الماضية، من الكتّاب والمفكرين والباحثين والإعلاميين والمتابعين للحركة الفكرية العربية بشكل عام، سواء في «معرض لندن الدولي للكتاب» أو في «معرض الرياض الدولي للكتاب 2014»، أو في «جامعة الكويت»، أو في «كُتّاب كافيه» في دبي، حيث كان الحرص كبيراً على التعرُّف إلى الكتاب، واقتناء نسخ منه تحمل توقيع المؤلف، خصوصاً مع ما يتمتع به المؤلف من سمعة علمية ومكانة في الأوساط البحثية العربية والدولية، وما يحفظه رصيده العلمي من أعمال علمية رصينة لها موقعها المتميِّز في موضوعها وتخصصها. وكم كانت سعادة الجميع كبيرة عندما أعلن الأستاذ ميشل كاباسو من ايطاليا حصول سعادته على الجائزة المتوسطية تقديرا لجهوده في الدبلوماسية الفكرية، والجائزة حصلت عليها العديد من الشخصيات الدولية المتميزة... وكنت في مناسبة خلت قد تحدثت باستفاضة في صحيفة الجزيرة عن الكاتب والكتاب، وأريد هنا أن أشرك القارئ العزيز أبياتا من الشعر جادت بها قريحة الشاعر العربي الكبير خليل عيلبوني أرسلها إلي وأنا أكتب نص هاته المقالة.... وكم هي معبرة لما يجمعنا نحن العرب من أواصر وأحاسيس وتاريخ مشترك وثقافة بإمكانها أن تجمع الخاص والعام في الوطن العربي:

أعبد الحقّ يا أوفى أحبائي

أبايعكم أمير الحاء والباءِ

وإن الحبّ في وطني لمحتاجٌ

إلى الإنسان لا لجلود حرْبَاءِ

مَنحتم لي زماناً عشته فرحاً

أعاني السكرَ لا من فعل صهباءِ

ولكن من حنانٍ غامر سَكِرَت

به روحي التي أعيت أطبّائي

أنا في فاس يوم الجمعة انطلقت

أحاسيسي وسرَّ الكونَ أنبائي

إماراتي بوجه جمالها زانت

فكان النجم في ليل الأحبّاءِ

وفي تكريمه فخرٌ شعرت به

وأرض الحبِّ ما كانت بجدباءِ

وما بالنفط أرسى مجده وطنٌ

إذا عدتم لأجدادٍ وآباءِ

بل الإنسان في وطني وقد أعطى

مثالا يحتذى في حمل أعباءِ

سعيدا كنت في فاس التي احتضنت

جمالا في جميل الحاء والباءِ

وسأقف بعد هاته الأبيات عند مفكر مغربي وهو الوزير محمد العربي المساري، حيث أرسل لي انطباعاته عن كتاب آفاق العصر الأمريكي متحدثا في جانب من دراسته النقدية عن المغرب وأمريكا... فذكر كلمة أميركا في عنوان الكتاب قد وجهه إلى الاهتمام بالتعرف على نظرة عالم حصيف من المغرب إلى ما تمثله أميركا في الخريطة العالمية. وهذا موضوع فاتنا أن ندرسه بإمعان في الوقت المناسب. وكان ذلك يرجع إلى أنه بعد الفترة الاستعمارية التي حكمت علينا بالانغلاق، انتقلنا إلى فترة سمت فيها عندنا النظرة الإيديولوجية المحلية أو المستوردة، وكذا بسبب تصادم مصالحنا مع مواقف أميركية كانت بوضوح منحازة لإسرائيل وما زالت، كما أن كثيرا من مواقفها كانت مشايعة لدول أوربية استعمرت بلداننا وكذا وقوفها إلى جانب أنظمة عربية فاسدة. كما كان يخلق عندنا شعور معقد تجاه الحضور الهجومي للثقافة الأميركية في العالم من خلال السينما ونمط الحياة وأصداء نجاحاتها في العلم والصناعة. وكانت معالم وجود أميركا الطاغي الذي شغل سحابة النصف الثاني من القرن العشرين يخلق ردود فعل حانقة ومحبطة. ومشايعتها في مواقف كثيرة لدول أوربية استعمرت بلداننا، وكذا لأنظمة عربية فاسدة. وفي نهاية الأمر فإن عبارة « ذ باد أميركن « ليست من المختار من أدب العرب.

والواقع أنه فاتنا أن ندقق النظر في تلك المواقف والظواهر لنستخلص النتائج التي تنفع قضايانا، رغم قدم احتكاكنا نحن في المغرب بأميركا مثلا منذ إطلالتها على العالم، ولكن كدولة وليس كثقافة.

وهذا راجع إلى تقصير منا وطول انغلاقنا حتى غدونا نتصور أننا في غنى عن العالمين. وقد وجد مثقف مغربي نفسه في وسط معقد حينما توجه إلى نيويورك في 1947 حينما توجه إلى هناك ليفتح مكتبا للحركة الوطنية المغربية لدى الأمم المتحدة. وكانت المبادرة في حد ذاتها عملا جديدا في بيئة جديدة، إذ كانت الأمم المتحدة نفسها مؤسسة جديدة تختلف عما كانت تمثله عصبة الأمم.

وقد كون المهدي بنونة، وهو من نعني بهذه الإشارات، أسلوبا للعمل حقق به بعض النتائج. واستغربت الوفود العربية في الأمم المتحدة، وهي تمثل دولا تفوق مقوماته هو الفردية، استغربت كيف أنه نجح في تمرير نصوص لصالح القضية المغربية على صفحات جرائد مرموقة مثل نيويورك هيرالد تريبيون في حين أن هناك خمس بعثات عربية لم تنجح في إيجاد مكان في صفحات الجرائد الأميركية. وكان المهدي قد تلقى نصحا بأن يقدم قضيته منفصلة عن القضايا العربية، لكيلا تناله أضرار التحيز الغربي عموما والأميركي بالذات لوجهة النظر الصهيونية. وكان ذلك في سنة صدور قرار التقسيم.

ويجرنا ذكر المهدي بنونة إلى الإشارة إلى أنه قبيل مغادرته المغرب كان قد تلقى توجيها من الملك محمد الخامس قبل مغادرته المغرب بأن يبحث في السجلات الأميركية عما إذا كانت هناك وثيقة مكتوبة تتضمن دعوة أميركية موجهة إلى العاهل المغربي لزيارة الولايات المتحدة. ذلك أنه في اللقاء الذي تم في أنفا بالدار البيضاء سنة 1942 كان الرئيس فرانكلين روزفلت قد عبر عن فكرة في هذا الصدد، وهو شيء لم يكن للفرنسيين أن ينظروا إليه بعين الرضا.

معنى ذلك أن العاهل المغربي نظر بإيجابية إلى زعامة أميركا لما كان يسمى بالعالم الحر. وظهر له أن إقبال الرئيس روزفلت على الانفتاح على المغرب الراغب في التحرر من فرنسا، خاصة بعد المساهمة التي قدمها المغرب بدماء أبنائه الذين سيقوا إلى معارك الحرب العظمى الثانية منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب.

وقد لاحظ القادة الوطنيون المغاربة بروز الولايات المتحدة في مسرح السياسة العالمية بانتباه. وبكر في التعبير عن ذلك عبد الخالق الطريس، زعيم حزب الإصلاح الوطني، إذ سجل في السنة الثالثة للحرب أنه في وسع الولايات المتحدة أن تنهض بدور مهم كلاعب دولي نشيط في السياسة العالمية، له مؤهلات كاملة تجعله قادرا على القيادة. وتتبع الطريس في مقالات يومية كان ينشرها في جريدة « الحرية « التي كانت تصدر بتطوان.....

وكان المغرب من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا العظمى، وهو حدث خلدته رسالة جوابية وجهها جورج واشنطن إلى السلطان محمد الثالث......

لقد حرص المغرب على التصرف في المنتظم الدولي برغبة قوية في صيانة السلم وإقامة التعاون المربح لكل الأطراف، حيث عرف في عهد محمد الثالث الذي سبق ذكره بمساعيه لدى الدول الأوربية من أجل سن قواعد معترف بها لتنظيم الملاحة البحرية والتقليص من نشاط القرصنة وخاصة لتحريم اختطاف المسنين والأطفال والنساء ورجال الدين. ولم تذهب جهوده سدى بل توجت بعقد اتفاقات في هذا الصدد مع إسبانيا وفرنسا والسويد.

ونتيجة لهذا التواصل الممتد في الزمن كانت الولايات المتحدة من آخر الدول التي اعترفت بمعاهدة الحماية التي فرضت على المغرب في 1912، وذلك تمسكا منها بعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء (أبريل 1906) الذي يؤكد استقلال المغرب ووحدة ترابه والتعامل بالمساواة بينه وبين الشركاء التجاريين.

مقالات أخرى للكاتب