Saturday 10/05/2014 Issue 15199 السبت 11 رجب 1435 العدد
10-05-2014

السعودي وخيار الماجستير أو الدكتوراه

مقال اليوم يخصص للطلبة السعوديين - القادرين عقلياً والمؤهلين علمياً - مبيناً بأنهم هم الأولى من غيرهم من طلبة الدول الأخرى في تفضيل خيار المواصلة لدراسة الدكتوراه وعدم الاكتفاء بالماجستير. ففي المقالين السابقين كان الغرض هو تفنيد ما يشاع عن أفضلية الاكتفاء بالماجستير. وقد أثبتت الأرقام في المقال الأول تفضيل خيار المواصلة ، بينما وضح المقال الثاني مرتكزات خلفيات تشوش وضوح هذا الخيار على الطلبة الأكفاء، مع تصحيح المفهوم الخاطئ في حقيقة كون الدكتوراه درجة بحثية.

والسعودي خاصة، المؤهل علمياً وعقلياً للحصول على الدكتوراه بجدارة، ما كان ينبغي له التردد مطلقاً في خيار المواصلة. فأصل التشويش عليه ناشئ من تبني أفكار أجنبية تخص شريحة من طلبتهم الذين يريدون دراسة الدكتوراه وهم لا يتمتعون بتميز يؤهلهم للتنافس في سوق الدكاترة. وهذا يجعل كلفة الدراسة الزمانية والمادية للدكتوراه أعلى من عوائدها. وهذا يختلف تماماً عن الصورة التعميمية عندنا والتي تحاول تثبيط الطالب عن إتمام الدراسة بغض النظر عن كفاءته العقلية والعلمية.

فالدراسة عندنا تعتبر وظيفة براتب جيد، وليس كما هو الحال في الدول الأخرى ( مجموع الديون الدراسية على الطلبة اليوم وصل في أمريكا إلى 102 تريليون دولار، أي ما يقارب ست سنوات من قيمة الميزانية السعودية لعام 2014. والدراسة في حالة الابتعاث هي وظيفة ذو عوائد مادية عالية. فالدراسة خمس سنوات - متوسط تحصيل الدكتوراه - تكلف 40 -50 ألف دولار في السنة، فهذه ربع مليون دولار. وأضف إليها المكافآت 100 ألف دولار إذا كان عازباً أو 200 ألف إذا كان معه مرافق أو مرافقة. وأضف لذلك التذاكر والتأمين الطبي - الراقي جداً - وملحقات الكتب ونحوها فهذه 100 ألف دولار أخرى. هذا فضلاً عن الفوائد غير المادية كتحصيل العلوم والثقافات واللغة له ولأسرته وأبنائه، إن كان أو كانت ذو عائلة. فمتوسط ما يحصل عليه الدارس من عوائد مادية أثناء دراسته تزيد على مليوني ريال، أي ما يقارب 30 ألف ريال في الشهر، إن كان عازباً وقد يصل إلى 40 ألف ريال شهرياً إن كان ذا عائلة أو كانت طالبة عازبة ، بسبب المحرم. فهل من وظيفة في السعودية ستقدم لحامل الماجستير عند عودته من البعثة، هذا العائد الشهري؟ هذا فضلاً عن العوائد غير المادية الأخرى.

وقد يحاول البعض تثبيط الطالب الكفؤ عن إكمال الدكتوراه، بأن يصور له أن الخمس سنوات التي سيمضيها في دراسة الدكتوراه ستمكن زميله - الذي لم يكمل وعاد - من اكتساب الخبرات والترقي في السلم الوظيفي فيصبح غير قادر على اللحاق به. وهذا غير صحيح لسببين رئيسيين. الأول، أن الحاصل على الدكتوراه بجدارة سيكتسب من الخبرات خلال شهور قليلة ما اكتسبه زميله خلال خمس سنوات، كما وضحت في المقال السابق. والسبب الثاني ، أن الدكتوراه تفتح باب الفرصة لحاملها ما لا تفتحه لغيرها. ولكن كما أنها تفتح الفرصة فإنه يتوقع من صاحبها إنتاجية وإبداعية عالية وتوقعاً بسرعة اكتساب الخبرات والإنتاجية العالية. ومصيبة كثير من الدكاترة البلداء، ولو كانوا قد تخرجوا من جامعات مرموقة ، بأنهم يتوقعون بأن الشهادة هي المتطلب الوحيد، وما درى أنها عبء مضاعف عليه لإثبات جدارته بها. والسوق يبحث عن منفذ ومطبق لا متفيهق ولا منظر حالم. لذا فأنا أعتقد أن خريج البكالوريس المتميز في الاقتصاد أو المالية أو الهندسة أكثر استطاعة في تلبية مطالب السوق اليومية وأكثر علماً من الدكتور الخريج الذي لم يدرس طلبة البكالوريس مواد تخصصه بإسلوب تطبيقي. فخريج البكالوريس المتميز ما زال حديث عهد بالدراسة التطبيقية والنظرية، بينما خريج الدكتوراه قد بعد عهده بها واقتصر تحصيله على جزئية بسيطة. لذا فخريج الدكتوراه الحديث يحمل عبئاً مضاعفاً، ولكن لديه الأدوات وأصل العلم لكي يتقدم سريعاً. فالدكتوراه تقدم الفرصة لا الذهب. وقد سمعت متحدث الشرف (وهو من السود) في تخرج جامعة كرونيل العريقة ينبه على هذا المفهوم لكي لا يغتر الخريجون بسمعة الجامعة وانفتاح الفرص أمامهم عند تخرجهم ما لا يتحقق لغيرهم من خريجي الجامعات الأخرى، فقال مشبهاً « إن المهاجرين يأتون لأمريكا يعتقدون أنها أرض الذهب، وما من ذهب فيها بل المنافسة الشرسة، ولكنها أرض الفرص، فهي تقدم الفرصة لا الذهب». وكذلك هي الدكتوراه، وخاصة عندنا في السعودية، تقدم الفرصة لا الذهب. وما أكثر الفرص اليوم في بلادنا للشباب الكفؤ مهما اختلفت مستويات تعليمهم. وهي أكثر لمن يأتي بالدكتوراه عن جدارة. فيا بني الطالب السعودي ويا بنيتي الطالبة السعودية، واصلوا الدراسة واحصلوا على الدكتوراه بجدارة ولا يثبطنكم المقولات الخاطئة ولا يثبطنكم ما ترونه أو ما تسمعونه من تغلب المحسوبيات على الجدارة والكفاءة، فهذا زمن قد ولّى ونن مقبلون على عهد جديد لا مكان فيه الا للكفؤ. ولا يثبطنكم المتكلس من البلداء من الدكاترة ممن خدمه حظه أو نسبه أو صداقاته فارتقى مكاناً ليس بأهل له، فقعد وليس له هم إلا عرقلة النجاح والضغط على الأكفاء. فاليوم أمثال هذا، لن يطول الزمن به حتى يكشفه أو يقعده في محله مرواحاً لا يتقدم. واعلم بني وبنيتي أنكم ان حصلتم على الدكتوراه بجدارة، ثم عملتم بحقها بعد ذلك، من بذل الجهد في التعلم والتفكر فإنكم أنتم علماء المستقبل لبلادنا، وبكم يعقد الأمل في جانب الإبداع العلمي والتطور الفكري لتحقيق طموحات المليك الصالح في جعل هذه البلاد تاج بلاد العرب، ومركز الحضارة والعلوم بين بلاد العالمين، وما ذلك بحلم حالم ولكنها استراتيجيات نراها قد خطط لها، ووضعت سبلها ويسرت طرقها ومهدت مسالكها، تنتظر رجال ونساء المملكة العربية السعودية أن يعبروها ليحققوا نتائجها. وقد أرانا الله من تسخير الأمور لهذا الملك الصالح ما يجعلني موقناً من تحقيق طموحاته الاستراتيجية لبلاده وشعبه.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب