Monday 12/05/2014 Issue 15201 الأثنين 13 رجب 1435 العدد
12-05-2014

ماذا (لو)؟!

* تعلّمت في الصغر أنّ كلمة (لو) (من عمل الشيطان) فاجتنبتُها، واستنتجتَ فيما بعد أن الكلمة مرفوضةٌ شرعاً إذا كانت تعني (التحفظ) على حدَث قد قدّره الله وقضاه، أو حدث لا حولَ للمرء عليه ولا حيلة! كقول أحدِهم تعليقاً على حادث مروري (لو كنتُ قائد المركبة المنكوبة لكان الأمرُ نقيضَ ما كان! (استغفر الله وأتوب إليه)!

* * *

* أمّا (لو) المعنية في هذا الحديث فمعناها عندي جدُّ مختلف. فهي لا تعني (التنبُّؤَ) بشيء قد يكون أو لا يكون، إنما هي وسيلة (استنفار) للذهن تأملاً لأمرٍ ما مقرونة بنقاء الإيمان وصفاء النيّة، وعفْويّة الاحتمال لشيء قد يكون أو لا يكون!

* * *

* واستطراداً لهذا النسق من التأمل المسيّر بأداة (لو) تُساورني أسئلة، أنتخب منها ما يلي:

سؤال:

* ماذا (لو) كان للبشرية، كلَّ البشرية، لغةٌ واحدة.. ينطق بمفرداتها ناطقٌ في أقصى الشرق والغرب.. أو الشمال والجنوب فليتلقفها آخرُ بالفهم السليم دونَ عناءٍ ولا غموضٍ ولا سوءِ فهم!

* * *

* بمعنى آخر.. ماذا (لو) كان للبشرية قاموسٌ واحد يُكتب به ويُتخَاطبُ، تتسَاوى فيه الحروفُ عدداً.. وتَتآلفُ فيه المفرداتُ معنىً وفهماً!

) كيف سيكون حال سُكَّان هذا الكوكب الأرضي! هل سيصبحون أثْرى فهْماً.. وأغْنَى إبداعاً.. وأقلَّ خُلفاً وأكثر سِلماً؟!

* * *

سؤال آخر:

* إلامَ سيؤول حال إنسان هذا الكوكب (لو) أفاق يوماً من سبات الانغماس في آليات هذا العصر وتقنياته.. ليجدَ أن تسعة وتسعين وتسعةً من عشرة في المائة من شؤون حياته العامة وجزءاً كبيراً من أموره الخاصة بات يُدارُ ويُصانُ بـ(آلة) صماء يؤمر بها ويُنهى، لا يملك عنها حِوَلاً ولا بديلاً؟! أكادُ أجزمُ أنه سيزداد (رصيد) هذا الإنسان من الفراغ، بل سيُعاني من (فائض الوقت) في منظومة حياته، فكيف سيستثمره؟ قد يفرز هذا الفائضُ (صناعة جديدة) تقوم على إيجاد منظومة من (آليات اللهو) قهراً للفراغ، ثم ماذا يصنع بـ(الفائض) من فراغه بعد استنفاد حاجته من النوم والراحة من أوضار الفراغ؟!

* * *

عزيزي القارئ

* أتوقف هنا.. لأنني أكادُ أشكّ أنك ستكملُ قراءةَ هذا الحديث، و(لو) فعلتَ فقد تستفزّك الرغبةُ في وصف صاحبه بغلوَّ يدنيه من حافة المسّ! ولا اعتراضَ لي على حكمك.. لكن دعني أُنْهي هذا الحديث بالقول (إن من الخيال لسَحْراً يلامس أحياناً شفا الجنون)! ألمْ تكنْ إنجازاتُ الإنسان الحديث في مجالات الطب والصناعة والفضاء وأمور أخرى ضرباً من الخيال المفُزْع أو (الجنون) المبدع!!

* * *

* أرأيْتَ يا عزيزي القارئ، (لو) أن أحداً حدَّثك قبل خمسين عاماً، إن كنتَ من المعمّرين سناً، بأن القمرَ البعيدَ سيستضيفُ يوماً إنساناً يسيرُ على أديمه ليسَ بقوافي الشعر ولا بشعوذة السحر ولا بوحي الخيال، ولكن عبْر آلةٍ صمّاء من صنُع إنسان!! أكُنْتَ ستَصدَّقه؟! أم ستظن أنّ به مسَّاً؟! ولكن لا عجَبَ بعد اليوم! ما نحسَبُه الآن مستحيلاً قد لا يبقىَ بعد حين من الدهر مستحيلاً عدا الأمورَ التي قد قدرها ربُّ العالمين أن تكون كذلك!!

) له سبحانه العزّةُ والكمالُ والبقَاءُ!

مقالات أخرى للكاتب