Wednesday 21/05/2014 Issue 15210 الاربعاء 22 رجب 1435 العدد
21-05-2014

سيف عبد الله.. رسالة القوة!!

من طبيعة الإنسان وجبلته رغبته في أن يكون قوياً، فلا أحد يرضى الضعف، لذلك حاول الإنسان دائماً وما زال يحاول امتلاك كل ما يقدر عليه من وسائل القوة وأسبابها وهذا لا ينافي رغبته في إقامة السلام والعدل،

ذلك ان حبه لامتلاك القوةكثيرا مايكون نابعا من كراهيته للظلم ورغبته في الأمان.. وكما يقول جان جاك روسو: (قوة كل إنسان وحريته أبرز وسيلتين للحفاظ على سلامته).

القوة تكمن في أعماق الإنسان وترتبط ارتباطا وثيقا بغريزة حب البقاء، وهي رغم ارتباطها بالبطش والظلم والقهر ستبقى خياراً رئيساً في تحقيق السلام ووجود الإنسان مثلما هي عنصر أساس في كل صراع!!

ومن مسلمات الفكر السياسي ان الدول والشعوب لن تستمر في مسيرتها إلا بامتلاك القوة كأسلوب حياة لشق طريقها بهدف تحديد دورها وحركتها في المجتمع الدولي وأخذ المكانة التي تسمو إليها.

ولا توجد سياسة وعلاقات دولية لا تحتوي بين طياتها على القوة، و(القوة) رغم أنها قد تستخدم في قهر الآخرين والبطش بهم، إلا أنها شرط ضروري من شروط الوجود، فهي عنصر أساسي لتحافظ الدولة على نفسها وسيادتها، كما أنها الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من تحقيق أهدافها، فإذا افتقرت الى القوة جار عليها الأقوياء وداسوا على مبادئها وأهدافها وفقدت استقلالها وكرامتها وهيبتها.

والقوي وحده هو الذي يستطيع أن يفرض إرادته، وهذه الحقيقة أوضح ما تكون في الحروب، فالمهزومون فيها مغلوبون على أمرهم لا يملكون الا قبول شروط المنتصرين، وقد أوضح الفيلسوف الانجليزي توماس هوبس هذه الحقيقة بقوله: (بمعزل عن السيف ليست العقود سوى مجرد كلمات لا تكفي لحماية أي إنسان).

إن امتلاك القوة أبلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المقابلة، وهذا نجد سنده في الممارسات الدولية على مستوى كل الصراعات قديما وحديثا فهي بشكل أو بآخر ضرورة حتمية لاغنى عنها ولا مهرب من التلويح بها أو استعمالها.. تفرضها ظروف المتغيرات الدولية، فلا يفل الحديد إلا الحديد - خصوصا في الممارسات الدولية، فالقوة ضرورة حتمية لحماية الحق تفرضها الظروف الدولية، وبذا نجد أن مبدأ «القوة تحد القوة « لا يزال سائدا في الفكر السياسي الدولي رغم المواثيق الدولية التي تدعو الى منع استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا ان الواقع يقول: إن القوة أنجع وسيلة وأمضى سبيل وعنصر جوهري لوجود الدولة.

ومن يقرأ تاريخ تطور القوات السعودية منذ توحيد المملكة العربية السعودية عام 1351هـ يدرك إن مناورات (سيف عبد الله) الأخيرة تعني (القوة) المنظمة فهي الأكبر والأضخم من نوعها في تاريخ القوات المسلحة شاركت فيها جميع القوات البرية والبحرية والجوية، بالإضافة الى قوات الحرس الوطني والداخلية، بمختلف أسلحتها وعتادها.

ولأن الحرب في العالم الذي نعيشه اليوم تعتمد على الإلكترونيات والتكنولوجيا والرياضيات المتطورة التي بإمكانها ان تحسم المعارك قبل أن تبدأ ويتحدث العالم اليوم عن حرب النجوم،كما يتحدث عن المظلة الإلكترونية والنمل الجاسوس والحائط الخفي في ميدان العلوم العسكرية المليء بالمفاجآت المذهلة.

لذا رأى العالم مدى التطور الذي حدث في ساحة القوات السعودية التي أجرت مناوراتها في جبهات ثلاث في المنطقة الشرقية والجنوبية والشمالية من البلاد شاملة الطائرات المتطورة والمروحيات والمجنزرات ومنظومة الدفاعات الأرضية والتدريب على الحرب الالكترونية وأسلحتها التي تطور استعمالها على المستوى الدولي.

وإذا كانت مناورات (سيف عبد الله) قد ظهر فيها من ضمن الأسلحة صواريخ صينية متطورة بعيدة المدى وغيرها من الأسلحة المتقدمة، فإن هذا ليس جديدا على الجيش السعودي بكل فروعه، فتلك الصواريخ يعود تاريخها الى الثمانينيات من القرن المنصرم والمملكة تقدمت كثيرا منذ ذلك التاريخ في تطوير جيشها وأسلحته.

هذا لأن بلاد الحرمين الشريفين تدرك ان القوة في الألفية الثالثة لا تكمن فقط في المكانة الاقتصادية والقوة العسكرية التقليدية ولكن في المعرفة (KnowLedge) فالقوة العسكرية ترتبط بشكل وثيق بالقدرة التكنولوجية التي أصبحت أهم المعايير التي تقاس بها (القوة)، وكان تشرشل على حق عندما توقع بأن تكون (امبراطوريات القوة هي تلك الامبراطوريات المعتمدة على الفكر).

وإن كان الجنرال ديغول وهو عسكري بارز قبل أن يكون رئيسا متميزا لبلاده قد قال قبل أكثر من خمسة عقود (ان سلاح القوة هو الأنجع في حل المشاكل الدولية) فإن ما قاله يبقى صحيحا حتى اليوم وسيبقى بعده لكونها (القوة) ضرورة حتمية لا غنى عنها ولا مهرب من التلويح بها واستعمالها.

ولا شك ان مشاركة العديد من وحدات القوات السعودية الضاربة البرية والجوية والبحرية وقوة الصواريخ الاستراتيجية إضافة الى وحدات الحرس الوطني ووزارة الداخلية ترسل أقوى رسالة على المستوى الإقليمي خاصة على الضفة الشرقية من خليجنا العربي حيث طهران التي ما برحت تلوح بعضلاتها، لترى اليوم القوة السعودية المتسلحة بعقيدتها وتراثها وثقتها في النفس، وعلى الجانب الآخر على المستوى الدولي ليدرك جاهزية تلك القوات للتصدي لأي معتد يفكر في الاقتراب من أراضيها الطاهرة.

وتبقى القوة دائما بنفوذها السحري جداراً صلباً لحماية الدول والشعوب حتى إذا لم تستخدم لعقود طويلة، لكنها تمثل قوة الدولة وجاهزيتها للتصدي لأي عدوان، لكونها تمثل مهابة الدولة واستعدادها لردع الأعداء المتربصين والله يقول في سورة الأنفال الآية 60 {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}.

ولا شك أن رعاية سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران اختتام مناورات (سيف عبد الله) في حفر الباطن بحضور الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات ونائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الكويتي الشيخ خالد الصباح وقائد الجيش الباكستاني الفريق أول راحيل شريف ومعالي أمين عام وزارة الدفاع بسلطنة عمان محمد الراسبي ووزير الداخلية سمو الأمير محمد بن نايف ووزير الحرس الوطني سمو الأمير متعب بن عبد الله يؤكد بشكل قاطع الرسالة القوية التي بعثتها بلادنا إلى الصديق والعدو، ووحدتنا وسيادتنا فالشقيق نقول له: ان قواتنا المسلحة تحمي ديارنا المقدسة ووحدتنا ومكاسبنا، وهي يد يمنى لأشقائنا تبطش بكل من يعتدي عليهم.. وتقطع أيدي كل يد تمتد لإلحاق الإيذاء بنا أو بأشقائنا.. بسيفنا الباتر تحمله سواعد قوية لا ترحم المعتدي الباغي.. وتبتر يدي من يعتدي على الشقيق المظلوم.

هذا لأن المملكة وقادتها وشعبها يدركون انه (لا عز بلا قوة.. ولا حق يؤخذ بيد ترتجف من الضعف.. وأن العالم اليوم لا يحترم الا الأقوياء).

والله ولي التوفيق.

info@dreidaljhani.com

رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة

مقالات أخرى للكاتب