Tuesday 26/05/2014 Issue 15215 الأثنين 27 رجب 1435 العدد
26-05-2014

طيف غازي يطلّ من جديد!

يبقى طيف الفقيد الكبير معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، ملهماً لأصحابه ومريديه، في حضوره وغيابه، ورغم مرور أكثر من عامين على رحيله، فإنّ ذكراه لا تغيب عن البال في كل مناسبة يُطلُّ طيفُه العَطِرُ ضيفاً على أفئدة المحبين له!

* * *

السؤال الذي قد يلازمُ أذهانَ البعض هو: لماذا يحتفظ الفقيد الكبير بهذا الحضور الحي في قلوب من عاصروه أو تعاملوا معه أو قرأوا له أو عنه!؟ وسأجتهد في الرد على هذا السؤال فأقول بقدر من يقين: سببُ ذلك كله أنه كان عملاقاً في فكره ومشاعره، عملاقاً في أدبه وإبداعه، وعملاقاً في سره ونجواه، لا أذكر أنه قد (هجا) أحداً بما يكره، لكنه كان (ينتقد) ما يرشَّحه العقلُ للنقد، ولكن بلا إسراف ولا إسفاف ولا تجريح !

* * *

وأمر آخر يشُّد الناسَ إلى ذكر هذا الرجل وذكراه، هو عشقُه لهذا الوطن، في سرّائه وضرّائه، وقد ضرب أروعَ الأمثال قبل وأثناء وبعد حرب تحرير الكويت في هجومه الكاسح على نار الفتنة التي أوقدها أفرادٌ آوت أنفسُهم النقدَ الجارح لهذه البلاد شرعيةً وشعباً، ليس لشيء سوى أنها سعت بكل وسيلة مشروعة ممكنة، إلى حشد الطاقاتِ لإجلاءِ المغتصب الغاشم عن أرض الكويت الشقيقة، وإعادةِ الشرعيةِ إليها، شرعية المواطنُةِ وشرعية الحكم، حتى أذن الله لها بالخلاص!

* * *

باختصار، كان غازي مسكوناً بحب هذا الوطن وأهله، رضي عنه مَنْ رضي، وأنكرَ من أنكر، فكان الظفرُ حليفَه في قوله وفعله دفاعاً عما رآه حقاً وعدلاً.

* * *

وجاءت قضية السعودة التي أحياها وهي رميم، جاءتْ لتستفزَّ فيه هذا الحبَّ وتستنفره، حتى غدتْ شغلَه الشاغلَ فـي غدوه ورواحه، كان يتألم جداً ويغضب جداً وهو يطالع إحصائيات (البطالة)، وإن شاب بعضَها شيءٌ من غُلوّ، وكان يحلم ألاّ يبقى شاب مؤهل للعمل قادر عليه وراغب فيه خارج أسوار الوظيفة، وخاصة في القطاع الخاص الذي يعج بالعمالة الوافدة من كل فجّ. كان حلمُه سببَ ألمه.. الذي لم يكن سراً على أحد، مِمّنْ عرفُوه أو عاشوا أو عملوا بالقرب منه، أو قرأوا أدبياته !

* * *

وكان همُّ (السعودة) شمسَ يومه وسراجَ ليله، وشريكَ سرائه وضرائه، أنفَقَ جزءاً من عمره في خدمتها، وكانت (البطالة) ووجهها الآخر (السعودة) حمّى يومه وغده، ثم غاب وقلبه ينبض بذلك الهم.. وكان رحمه الله يراهن على الزمن طمعاً في حل أو أكثر يحيلُ حلم السعودة إلى حقيقة، ويحجّمُ (غُولَ) البطالة البشعة!

* * *

رحمه الله رحمةَ الأبرار، وعفا عمَّنْ أساء إليه، نقداً لا يقره أدب، وتجريحاً لا يؤويه ضمير!

مقالات أخرى للكاتب