Sunday 08/06/2014 Issue 15228 الأحد 10 شعبان 1435 العدد
08-06-2014

حتى لا تكون فتنة!

رحم الله الدكتور غازي القصيبي، فقد كان عبقرياً بحق، سبق عصره، وتفوق على معاصريه بجرأته، وقرأ حاضره قراءة عميقة وموضوعية، ليستشرف المستقبل، فكاد أن يكون كما توقع.

نقرأ كتابه اليوم (حتى لا تكون فتنة)، ثم نلتفت إلى ما يُسمى (الربيع العربي)، وما تمخض عنه من فتن وأهوال يكاد أن يشيب لهولها الولدان، وكيف وظفه (البعض) لقلب أوضاع الأوطان عاليها على سافلها، فنجده كما كان يقول تماماً.

كان لا يخاف في الحق أحداً، ولا يجامل في قول الحقيقة كبيراً أو صغيراً؛ قوي الحجة، متماسك المنطق، واضح البيان، عذب الأسلوب؛ خوفه على وطنه جعله يقف حينها في وجه الصحوة والصحويين، يوم كان الجميع يتحاشى الوقوف في وجه أولئك المندفعين المنتفعين؛ وكما هي عادتهم في الفجور في الخصومة والتشهير بمن يقف في مواجهتهم، شككوا في دينه، ونالوا من وطنيته، ونعتوه كالعادة بالعلماني، ومع ذلك ظل صامداً لا يتزحزح عن موقفه، سلاحه قلمه، ودرعه حجته، وإن قالوا فيه ما قالوا.

ومن ضمن من ناقشهم - رحمه الله - في ذلك الكتاب، كان الشيخ ناصر العمر، حول شريط كاسيت للمذكور شهّر فيه بالدكتور غازي، وألحقه بالعلمانية، والسبب مقال نشره في «الشرق الأوسط» اللندنية حينها، فأعاد الدكتور غازي نشر المقال كاملاً في الكتاب، ثم تساءل: أين هي العلمانية يا ناصر؟

وكأني بناصر العُمر لم يجد ما يجيب عليه، لأنه و(ربعه) كانوا يطلقون الأحكام على عواهنها؛ فقد تعوّد هو وأقرانه أن يُشهروا، ويصنفوا، وينالوا من الناس، غير آبهين بأمانة الكلمة، ولا مُهتمين بأخلاقيات الخلاف، فكانوا بالفعل -ومازالوا للأسف- أجهزة تبث ولا تستقبل!

وأجد من المناسب، وبالذات للشباب الذين لم يُعاصروا تلك الحقبة، أن استعرض بعض القضايا الذي اعترض عليها آنذاك الشيخ ناصر العمر، ومن ضمنها (نظام المرافعات)، الذي هو الآن أصبح حقيقة واقعة، لو لم يوجد، لكان أول من يُطالب به (المحامون الشرعيون) قبل غيرهم، لتدركوا أن كل تصعيداتهم كانت ومازالت مجرد (جعجعات) وليس ثمة من طحن!

جاء في الكتاب بالنص:

(ويقول أخي ناصر العمر أن (نظام المرافعات) الذي أوقف العمل به مؤامرة علمانية. وحتى لا أتورط في الحديث عن علم لا أعلمه، أقول: إنني عندما كنت عضواً في مجلس الوزراء كان هناك مشروع للمرافعات مقدم من وزارة العدل ووزارة الداخلية لم يدرسه سوى مستشارين شرعيين.. ولم يكن فيه سوى ما يضمن حقوق المتقاضيين وفق شريعة الله؛ فإن كان النظام الذي يتحدث عنه هو النظام الذي أعرفه، فهو نظام لا يستهدف سوى تطبيق شريعة الله.. في مجال القضاء على أفضل نحو.. ألم يكن الأولى بأخي ناصر العمر أن يدرس النظام مادة.. مادة.. ويناقشه فصلاً.. فصلاً ويُبين ما فيه من مخالفة للشريعة؟!

* أيجوز لك يا أخي ناصر العمر أن تقول أمام الملأ: إن نظام المرافعات الشرعية «مؤامرة علمانية «... ودون أن تلقي على ما تقوله دليلاً واحداً؟ فهل قرأته؟! وما الذي استنكرت منه؟!

* هل من خلق العلماء إطلاق الأحكام دون برهان؟).. ثم يخلص النصيحة للمذكور ويقول : (ويا أخي ناصر العمر، اتق الله. وتنبه قبل إشعال حرب أهلية بين المسلم والمسلم، والمؤمن، أتريد أن تعيدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاراً يضرب بعضنا رقاب بعض؟)!!

ولعل من المفارقات التي لا مناص من الإشارة إليها أن عايض القرني، الواعظ المعروف، والذي كان الدكتور غازي قد نقد أحد أشرطته هو الآخر في كتابه، كان قد رد على هذا الكتاب منتصراً لنفسه و(لربعه) بقصيدة كلها ادعاءات فارغة، جاء فيها:

شنّعت جهراً يا أبا يارا ولم

تنصف ودست الشرع في عرصاته

خذ ما أردت من المناصب دوننا

الله يكرمنا بفيض هِباته

ونقدت سلمانا وناصر طاعنا

في الدين كي تلغي جهود دعاته)..

إلى آخر القصيدة..

والسؤال بعد أن انقشع الغبار: من هوالذي نصر الدين، وحافظ على الوطن من (الثورات) والفتن يا عايض، هل هو صاحبك الذي كنت تذبُّ عنه، وصنّف مؤخراً كتابه (أسئلة في الثورة)، أم الدكتور غازي تغمده الله بواسع رحمته؟

إلى اللقاء

مقالات أخرى للكاتب