Tuesday 10/06/2014 Issue 15230 الثلاثاء 12 شعبان 1435 العدد
10-06-2014

إيه .. كذا نبدأ صح !

يبدو أننا (فعليا) على أعتاب مرحلة جديدة من التغييرات الجادة والإيجابية في مسيرتنا التعليمية، وهذه المسيرة لا تقتصر على تنقية المقررات الدراسية من كل ما من شأنه تكريس الكراهية والبغضاء، وإنما يمتد التغيير - أيضاً - إلى المعلم نفسه، في محاولة جادة لتأهيله والارتقاء به وتنويره، فقد وافق خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على تخصيص مبلغ وقدره 80 مليار ريال لخطة مدتها خمس سنوات، لتطوير التعليم وتحديثه، كما بشّر بذلك الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم والذي جاء لينفذ هذه المهمة الصعبة . وقد صرح نائب وزير التربية والتعليم خالد السبتي أن من بين خطوات التطوير في هذه الخطة: (ابتعاث نحو 25 ألف معلم ومعلمة خلال الخمس سنوات المقبلة، يمثلون 5% من إجمالي المعلمين، وذلك ضمن برنامج تطوير التعليم، مبيناً أن اللجان بالوزارة تعمل على وضع معايير دقيقة للترشيح والاختيار).

وفي تقديري أن ابتعاث المعلمين والمعلمات خطوة هامة ومفصلية في الخطة؛ فمن خلال تدريب هذه المجموعة من المعلمين والمعلمات خارج المملكة، سيتاح لهم الاطلاع عن كثب على الأسلوب والطرق التي وصلت بها الأمم الأخرى إلى ما وصلت إليه في مجال تربية وتعليم النشء، كما أنهم سيمارسون عملياً (التدرب) في مدارس تلك الدول المتفوقة حضارياً.

وكل ما نأمله ونرجوه أن يُراعى في أعضاء لجان ترشيح المبتعثين أن يكونوا على قدر من (العقلانية)، والوعي، والقناعة بضرورة التغيير؛ ففاقد الشيء لا يُعطيه، كما أن من تشكلت خبرته أثناء ما كان التعليم (مُختطفاً) من قبل المتشددين والمتكلسين من (الحرس القديم)، فخبرته وتجربته ستكون حجر عثرة لا وسيلة بناء وإصلاح .. وأهم ما يجب أن يُأخذ في الاعتبار عند اختيار المعلم والمعلمة المزمع ابتعاثهم (صغر السن)؛ فالمعلم في بدايات تجربته الوظيفية يكون قابلاً على الاستيعاب والتغيّر وتطوير ذاته، كما أنه يمكث في الخدمة التعليمية مدة أطول، فيكون تأثيره أعمق على المدى الطويل.

ويجب ألا نتوقع تغييرات جذرية سريعة كنتيجة لهذه الخطوات الجادة، فمؤسسات (تجمّدت) على مدى خمسين سنة، ولم تعتن بالمواكبة والتطوير، تكون عادة مثل المكنة القديمة المنهكة، يحتاج كل جزء منها إلى صيانة وإصلاح وربما تبديل؛ حتى تستطيع أن تعمل؛ لتأتي مُخرجاتها بما يواكب طموحاتنا التنموية الآن، لا كما كانت بالأمس؛ فالتحديات التي تكتنف بلادنا اليوم كثيرة ومتشعبة وتتزايد مع كل يوم جديد.

ومن نافلة القول إن التنمية الشاملة هي سر بقاء الدول واستقرارها، والتربية والتعليم، وأيضاً (التطوير المستمر)، هو شريان هذه التنمية؛ فلا بقاء دون تنمية، ولا تنمية دون تعليم يُغذي هذه التنمية؛ هذه المعادلة أثبتتها على أرض الواقع (النمور الآسيوية)، فقد بدأت بالتعليم وتطويره أولاً، وانتهت إلى أنها أصبحت تنافس في وعي الفرد وتحضره، ناهيك عن جودة وغزارة إنتاجه، دول العالم الأزل.

أعرف أن هناك معارضة قوية وممانعة شرسة تجاه الإجراءات التي اتخذتها مؤخراً (وزارة التربية والتعليم) من قبل الحرس القديم؛ فمثل هؤلاء المتكلسين يعلمون علم اليقين أنهم سيفقدون سلطاتهم وقيمتهم ونفوذهم، لأن أي (تطوير) وتحديث يعني بالضرورة أنهم سيصبحون عاجلاً أو آجلاً خارج المعادلة وخارج التأثير؛ ومن الطبيعي جداً أن يتشبث (المتكلس) بمركزه وتأثيره وقيمته ونفوذه، ولن يستسلم لمن يريده أن يتنحّى بسهولة، سيقاوم، ويُحذر من مغبة التغيير، وسيوظف كل ما من شأنه (تخويف) المجتمع من التغييرات؛ فالجمود و(مكانك تُحمدِ) أهم سمات المتكلسين؛ غير أن القضية قضية (نكون أو لا نكون)، فإما التربية والتعليم لتكون جسراً نعبر من خلاله نحو التنمية الشاملة، وإلا لن نكون.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب