Sunday 15/06/2014 Issue 15235 الأحد 17 شعبان 1435 العدد
15-06-2014

الديمقراطية الطائفية ونوري المالكي..!

الموصل أصبح محتلاً من قبل عصابات «داعش»، وأصبحت هذه العصابات المتأسلمة على مشارف بغداد، والجيش العراقي انسحب، وفضل السلامة على المواجهة، وفي المقابل نور المالكي، وهو المسؤول الأول عن الحكومة في العراق، فاز للمرة الثالثة برئاسة مجلس الوزراء أعلى سلطة حاكمة في العراق الديمقراطي؛ رغم فشله الذريع في توفير الأمن والخدمات، والحياة المدنية الكريمة للمواطن، وأخيراً تأتي عصابات داعش لتختطف ثاني أكبر المدن العراقية من سلطاته، لتؤكد أن هذا الإنسان لا يصلح لشيء، فكيف برئيس للقمة التنفيذية الأولى في العراق؟..

نوري المالكي قال: إن فشله كان نتيجة (مؤامرة) وليس لأنه فاشل، وهذا عذر أقبح من فعل؛ فهذا الكائن (الطائفي حتى أذنيه) ما كان ليصل ويعتلي قمة العراق التنفيذية منذ البداية لولا الديمقراطية وصناديق الانتخابات، ثم يفوز في الفترة الثانية وتتفاقم مشاكل العراق أكثر، ويفوز بالانتخابات للمرة الثالثة -أيضاً- ويحصد أغلبية كاسحة غير آبه من انتخبه بإخفاقاته؛ فالمهم أن يكون رئيس السلطة التنفيذية، ومن في يده الأمر والنهي، شيعياً طائفياً، ويُباركه ويؤيده، من تحت الطاولة أو من فوقها، السيستاني (المرجع الشيعي) الأقوى في العراق، ومن خلفه المرشد الإيراني في إيران، وإذا تحققت هذه الشروط (الطائفية) فهو مؤهل لأن يفوز بالانتخابات للمرة العشرين وليس للمرات الثلاث فحسب؛ فالأفضل والأقوى بالنسبة لمن سينتخب ليس الكفء الناجح في (الحياة الدنيا)، وإنما من ترشحه (المراجع الكهنوتية) الذين بهم يضمن من في يده بطاقة الانتخاب (الحياة الآخرة) بعد الموت؛ لهذا فاز نوري المالكي، وسعى بالعراق إلى حرب أهلية مذهبية ستنتهي حتماً إلى شلالات من الدماء وإلى تشرذم العراق، واختفاء العراق الموحد.

الأمريكيون بل والغربيون عموماً مازالوا يُصرون على أن الديمقراطية هي الحل، وأن غياب أو حضور الطائفية، وامتطاء الدين في السياسة، ليست مشكلة مع الديمقراطية ولا تتعارض معها، وهذا ما نسفه على أرض الواقع نوري المالكي، وأثبت أن الديمقراطية في ظل الأجواء الطائفية تتحول إلى لغم ينسف استقرار المجتمعات، فالوعي وتغييب الطائفية، شرطان لا يمكن إغفالهما لنجاح اللعبة الديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الانتخابات ابتداء. وما حصل في العراق حصل ومازال يحصل بشكل أو بآخر في سوريا؛ فالنظام لكي يبقى لجأ إلى إثارة النعرة الطائفية الشيعية ثم ارتمى في أحضانها وتحصن بها؛ وفي مصر لجأت جماعة الإخوان إلى الحس الديني، ورفعت شعار (الإسلام هو الحل)، واستطاعت أن تصل هي الأخرى إلى قمة السلطة من خلال توظيف الدين، وليس خدمة الدين، وكادت أن تودي بمصر وأهل مصر في أتون حرب أهلية مماثلة لما يجري الآن في سوريا والعراق .

ليبيا حاول المتأسلمون أن يُسيطروا على السلطة من خلال جماعة الإخوان، وفرضوا مرشحهم بالقوة ومن خلال التزوير، لولا أن الليبيين تنبهوا لما يرونه أمامهم في بقية الدول العربية، فانضم (أغلبهم) تحت لواء «خليفة حفتر» ليخلصهم ويخلص بلادهم من هؤلاء الانتهازيين، ويفرض الأمن الذي لا يعيره المتأسلمون أية أهمية، وأيدتهم في النهاية المحكمة الدستورية، وأقصت المرشح الإخواني.

إيران وتجربة إيران، لم يقرأها الغربيون وعلى رأسهم الأمريكيون جيداً؛ لذلك هاهم يكررونها في بقية الدول العربية، فالذي نصب (الديكتاتور) الإيراني على عرش إيران وأقصى الشاه، هم الغربيون، حيث انتقل الخميني من منفاه (الباريسي) إلى طهران، وما إن وصل إلى سدة السلطة وخلفه ملايين الإيرانيين الجهلة الذين ساندوه وأيدوه، حتى كون (الحرس الجمهوري)، وحيّد الجيش، وأنشأ دولة كهنوتية صرفة حسب دستورها، لا يحكمها رئيس الجمهورية (المنتخب)، وإنما (شخص المرشد) ومؤسساته بهراوات الحرس الثوري (مدى الحياة)؛ وهذا الحرس مؤدلج حتى النخاع، لا يؤمن بالأوطان، وإنما وطنه وسلطاته تمتد إلى كل بلاد المسلمين، ليفرض مذهبه على بقية (أمة الإسلام) التي هي بمعاييره ضالة، وآن الأوان لهدايتها حسب تعليمات الكهنوت الشيعي؛ وهذا الهدف إستراتيجي لا مجال للتنازل عنه، حتى ولو مات في سبيل تحقيقه مليون إنسان أو حتى عشرة ملايين؛ فهذه تعاليم دينية في معايير الحرس الثوري لا خيار أمامه وأمام (الولي الفقيه) إلا تنفيذها؛ أما رئيس الجمهورية في إيران فلا يعدو أن يكون مثل (رئيس بلدية)، انتخب أو لم ينتخب لا قيمة له، فهو معني في النهاية بتنفيذ ما يريده المرشد، لا ما يريده الشعب، ومن عصا فليس له إلا العصا!

وبعد؛ هل مازال الغربيون وبعض المثقفين العرب يؤمنون أن (صناديق الانتخابات) هي الحل لبناء الدول واستقرارها في هذه المنطقة من العالم، والذي أتى بالمالكي الدبابات الأمريكية، ومن ثم صناديق الانتخابات؟.

لكل أولئك أقول: الوعي والتعليم الموضوعي المحايد وليس التعليم الكهنوتي، ومحاصرة الأمية، وتحييد الطائفية بمختلف أشكالها، والإيمان بالدولة المدنية التي يعيش فيه الإنسان بحقوقه المدنية وليس الطائفية، ولا مجال للكهنوتيين، ولا الحركات الكهنوتية فيها، هي (أولاً) لتأتي الديمقراطية بعدها وليس قبلها.

إلى اللقاء،،،

مقالات أخرى للكاتب