Tuesday 24/06/2014 Issue 15244 الثلاثاء 26 شعبان 1435 العدد
24-06-2014

من وحي جنازة «ناهد» رحمها الله

كثيرون منا لا يعرفون ولا يدركون حجم معاناة المبتعثات، سواء من كانت منهن معيدة أو محاضرة وابتعثتها جامعتها لإكمال دراساتها العليا، أو أنها نالت درجة البكالوريوس ولم تجد عملاً فاختارت الالتحاق ببرنامج خادم الحرمين الشريفين على البقاء في منزل والدها أو حتى زوجها، طمعاً في أنّ عودتها بالشهادة العليا ستمنحها الحق في الانتظام ضمن منظومة أعضاء هيئة التدريس بإحدى جامعاتنا السعودية.. ومع كل الجهود التي تبذلها السفارات والملحقيات، ومع كل النصائح والدعوات ومع كل الحرص والاحتياطات، إلاّ أنّ المعاناة ما زالت جاثمة على صدور هؤلاء الفتيات، البعض منها ديني والآخر مجتمعي والثالث نفسي والرابع اجتماعي عائلي والخامس ثقافي لغوي والسادس عنصري همجي والسابع والثامن ... والمصيبة والطامة أنها مع كل هذا وبعد أن تنال شهادتها التي تغرّبت من أجلها وجاهدت في سبيل الظفر بها، تقابل بالجحود والاستنكار وتوضع في وجهها العراقيل والمعوقات.. وهنا لابد أن أسجل بكل إعزاز وتقدير الحضور الإيجابي والتفاعل الرائع الذي أبدته جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في يوم المهنة بالولايات المتحدة الأمريكية هذا العام، وحرصها على استقطاب أكبر عدد من خريجات برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للتدريب والابتعاث، كما أنني ألقي اللوم على عدد من جامعاتنا الناشئة، تلك التي تضع من الشروط والمتطلبات لعمل المرأة فيها كالرجل تماماً، مع أنّ فرصتها الوظيفية في كثير من الشركات السعودية والبنوك التجارية ضعيفة، أو أنّ هناك رفضاً عائلياً لعملها في هذا القطاع الذكوري أو ذاك.

لابد أن نعترف أنّ للمرأة السعودية خصوصيتها خاصة في مثل البيئة التي أعيش فيها ، لابد أن نعترف أنّ سفر المرأة السعودية للدراسة في الخارج فيه من المشاكل والمخاطر والويلات والصعوبات والتنازلات والمستقبليات ما فيه، ولذلك كان من الطبيعي أن يبقى عدد من المعيدات في جامعاتنا السعودية على درجة معيد أو محاضر أكثر من عشر سنوات، وترضى أن تمارس أعمالاً إدارية على أن تسافر للدراسة في بلاد الغرب وتعود وهي تحمل درجة الدكتوراه ، وقد تهدد بالطلاق ، وقد تفقد صغارها في حال تفكيرها الجاد بمواصلة دراستها خارج البلد، والأمثلة والقصص عندي كثيرة في هذا الباب، وجزماً عند البعض منكم شيء منها.

إنني في هذه اللحظة وأنا أسترجع الحكايات والروايات التي سمعت وقرأت أفكر بصوت مرتفع بحثاً عن حل يجمع بين الحسنيين.. لعل في تجربة جامعة كاوست التي تتربع على أرض الوطن المعطاء خير مثال في استقطاب الكفاءات، والتخصص في الدراسات العليا ، فلماذا ونحن نفتخر ونفاخر بوجود أكبر جامعة نسائية في الكرة الأرضية، أن يخصص جزء من مدينة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للدراسات العليا، وتبرم اتفاقيات دولية مع أعرق الجامعات العالمية في شرق الأرض وغربها شمالها وجنوبها للتدريس فيها باللغة الإنجليزية ، وتوظف التقنية بشكل متقدم ومتميز، ويوفر السكن الداخلي المتكامل والكامل بحيث تعيش المبتعثة من مناطق المملكة المختلفة مدة الدراسة داخل المدينة الجامعية وسط وفي معية جنسيات نسائية مختلفة أمريكية ويابانية وبريطانية وأسترالية و... كما هو الحال في كاوست. وفي ظل بحث الجامعات العالمية عن المال، فسوف يتم توفير جميع متطلبات النجاح وعلى أعلى المستويات، وستكون المراقبة والمتابعة من قِبل وزارة التعليم العالي وإدارة الدراسات العليا في الجامعة أو حتى جامعة ..... للدراسات العليا النسائية دقيقة وبصفة يومية ، وجزماً سيكون النتاج مماثلاً لما هو في بلاد الغربة ومثالياً في شقه الآخر محل الحديث، ومن تسمح لها ظروفها العائلية للسفر خارج المملكة ولديها الرغبة لإكمال دراستها في أي بلد شاءت فالطريق أمامها مفتوح والسبل ميسّرة.

إنني على يقين أنّ مثل هذا الطرح سيجنبنا ويلات التقلبات السياسية والتصنيفات العالمية والاختلافات الثقافية خاصة في باب العادات والأعراف الدولية، وسيحل كثيراً من الإشكاليات التي جعلت الجامعات تمتلئ بالمعيدات والمحاضرات العاجزات عن السفر خارج المملكة حتى صرن وهنّ المتخصصات في العلوم العلمية طاقات وطنية مهدرة داخل أروقة الكليات، كما أنّ هذا الطرح متى رأى النور فسيقوي ويعزز ويرفع كفاءة جامعاتنا في شقها النسائي خاصة جامعة نورة بنت عبد الرحمن رحمها الله، وسيأتي اليوم الذي تصير لدينا جامعة جديدة للدراسات العليا النسائية، وما يدريك فربما أضحت يوماً ما أنموذجاً رائعاً ومثالاً عالمياً رائداً يسجل في دواوين منجزات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العلمية وخطواته النهضوية التنموية الفريدة والرائعة، رحم الله المبتعثة ناهد آل مانع وأسكنها فسيح جناته ورزق أهلها وذويها الصبر والسلوان وجعلها الرب ممن سلك طريقاً يلتمس به علماً فسهّل لها الرحمن طريقاً إلى الجنة، وحفظ الله أولادنا المبتعثين والمبتعثات وأعادهم لنا سالمين غانمين اللهم أمين والسلام.

مقالات أخرى للكاتب