Tuesday 24/06/2014 Issue 15244 الثلاثاء 26 شعبان 1435 العدد
24-06-2014

استغلال حادثة بشكل غير نزيه!

كم نحن مكشوفون أمام الآخرين، فلم يعد الخارج، ولا الداخل بالطبع، بحاجة إلى التحليل وقراءة الصراع بين السطور، بل أصبحت السطور والعبارات علنية وواضحة ومباشرة، فهذه التيارات القديمة والمتناسلة، التي حاربت الجديد على مدى نصف قرن وأكثر، شعرت أنها أصيبت في مقتل منذ إقرار برنامج خادم الحرمين للابتعاث، وأيقنت أن التجديد والتحديث العلمي والثقافي لم نعد ننتظر قدومه إلى بلادنا، بل سنذهب إليه في مختلف دول العالم، وسنصبح جزءا من نسيج هذا العالم، ولن نبقى فئة منبوذة، مكروهة، نؤمن بأننا نمتلك الحقيقة المطلقة، ونحاكم العالم بما تربينا عليه من عادات وتقاليد، دون أن نؤمن بقيمة الاختلاف، وأهميته في التمازج بين الشعوب وثقافاتها، بل إن أي ثقافة لا تنمو، ولا تزدهر، وذلك في التاريخ الحضاري للبشرية، إلا باختلاطها مع الثقافات الأخرى، وهو ما حدث في السنوات الثلاثمائة الأولى من الإسلام، حينما استفادت الثقافة الإسلامية الوليدة -آنذاك- من الحضارات الأخرى -آنذاك- كاليونانية والرومانية والفارسية وغيرها.

لكن أن يتجاوز هذا الصراع والتشويه حدود المنطق، ويتم استغلال أي حادثة لمبتعث أو مبتعثة سعودية، في إدانة وتشويه هذا المشروع الحضاري الرائد، أعني مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وكما حدث للمبتعثة الشابة ناهد المانع يرحمها الله، التي تعرضت للاغتيال طعنا في مدينة كولشستر ببريطانيا، فهو أمر مخجل حقا، ويزداد الأمر خجلا وبؤساً حين يستغل هؤلاء مواقع التواصل الاجتماعي للنيل من سمعة الشهيدة وكرامتها، التي خرجت من بلادها طلبا للعلم، وهم الذين يكتبون بأسماء وهمية ومستعارة، ويحلقون في ليل المواقع الاجتماعية، كطيور الظلام، دون أن يرف لهم جفن، أو يرتعش لهم ضمير!

الغريب أنهم وصلوا حتى إلى جامعتها، جامعة الجوف، التي قامت بابتعاثها، وروجوا إلى أنها أجبرت المعيدة ناهد على السفر إلى الخارج لإكمال دراستها، وأعادوا تكرار أسطوانة أن على المرأة أن تكمل تعليمها في الداخل، خاصة أن لدينا جامعات تقدم برامج دراسات عليا في كثير من الأقسام العلمية والأدبية، متجاهلين أننا لا نشكل شيئاً بالنسبة للدول المتقدمة في المجال العلمي، فضلاً عن عدم توافر الكثير من المجالات الدراسية في الداخل، إضافة إلى عدم قدرة جامعاتنا على استيعاب الأعداد الكبيرة من الدارسين، ونحن ندرك أن النمو السكاني لدينا، يسير بشكل سريع، يضاهي النمو الاقتصادي الذي تشهده بلادنا.

ومن غير المعقول استغلال حادثة كهذه، راحت ضحيتها طالبة علم سعودية في بلاد أجنبية، لتكريس حملة جاهلة ضد العلم، خاصة أن المبتعثين السعوديين في الخارج أصبحت أعدادهم تسافر سقف المائتين ألف طالب وطالبة.

ورغم أن هؤلاء الذين يسعون إلى النيل من برنامج الابتعاث هم قلة في المجتمع، إلا أن ضجيجهم العالي في المواقع الاجتماعية، وتزويرهم للحقائق، وحجبهم لمزايا الابتعاث وفوائده، جعلهم يبدون أكثرية!

وفي المقابل، فإن ما يسعد القلب، هو تكاتف المجتمع مع الراحلة ناهد يرحمها الله، ومع أسرتها الكريمة، وهذه الحشود في الجوف التي حضرت للصلاة عليها، والمشاركة في دفنها، ومواساة أسرتها وأقاربها.

رحم الله الفقيدة، وتقبلها مع الشهداء والأبرار، وأسكنها فسيح جناته.

مقالات أخرى للكاتب