Saturday 28/06/2014 Issue 15248 السبت 30 شعبان 1435 العدد
28-06-2014

مذكراتي عام 2034

أخشى - يا سادة يا كرام - أن أكتب يوما ما مذكراتي، وأن يقرأ أحدكم مسودتها التي لن أنشرها حتماً، لأنني لا أريد لكم يوماً أسود، ولا لحظات قنوط مخيفة كالتي مرَّت بي، في مختلف مراحل عمري، وأنا أرى ثوبي يمزقه ويتخطفه الآخرون! نعم ثوبي الذي يسترني خلال حياتي، وقد طارت منه نتفٌ هنا وهناك!

فأول نتفة طارت منه، كانت قبل ولادتي بسنوات، وهو في خزانة أمي، بعدما بكى أبي مزقة فلسطين التي طارت، فنام أكثر من ليلة، وهو يحلم أنها ستعود، وأن الثوب سيعود كاملا كما كان من قبل، لكن الليالي مضت، واقتنع أبي حين ولدت أن ما تبقى من ثوبي سيكفي ليستر جسدي، لكنني ما لم أكمل ثلاث سنوات، حتى ولولت أمي حاسرة الرأس، وبكى أبي كما لم يبكِ من قبل، حين طارت بضع نتف من ثوبي الجميل، وقد مزقه اللصوص في ست ليال سوداء، من حزيران الأسود، فذهب الضفة من كمّي، أقصد الأردن، وذهبت الجولان من كتفي العالي، أعني سوريا، ومزق اللصوص كمّي الثاني، أعني سيناء، هكذا بدأت أستر نفسي بيدي، ففي كل زمان كان هناك من يجذب ثوبي في غفلة مني، فيتمزق أكثر وأكثر!

أخشى - يا سادة يا كرام - أن أكتب يوماً ما مذكراتي، وأن يقرأ أحدكم مسودتها التي لن أنشرها حتماً، فكيف أكتب علناً أنني صرت عاريا، لا شيء يسترني، كيف أتبجح أمام الملأ، وأنا لا أستطيع أن أواري عورتي، حين أقول لكم: إن هناك أيلول الأسود، الذي طارت فيه نتفٌ ثمينة من ثوبي، وقد فقدت ياقتي وجيبي، في سوريا الشهباء، وعراق الرافدين، كيف أنظر تجاه وجهي في المرآة، وأعضائي عارية أمام العالم، حين تقاطر اللصوص من الغرب والشرق، ومزقوا ثوبي، بينما أهلي يتفرجون عليَّ، وأنا أمشي عاريا على غير هدى، وعلى غير بصيرة، أبكي وما من يمسح الدمع من عيني، أنشج وما من أحد يخجل، أو تأخذه المروءة على حين غرة، ليقف معي، ويعيد ثوبي المشقوق!

أخشى عليكم - يا سادة يا كرام - أن تكتبوا مذكراتكم مثلي، وتكتشفون مثلي، أنكم أيضاً عراة، وأن ثيابكم كانت ممزقة، وأن آباءكـــم تمامــاً مثل أبي، بكوا ثم ناموا، وورثتم ثيابهم المشقوقة، لكنها تمزقت أكثر، حتى أصبحتم مثلي، حفاة عراة!

أخشى أن يلومني أبي، كيف لم أحافظ على ما تبقى من ثوبي، وأخشى أن ألومه لِمَ سمحت للغرباء، أصلا، أن يمدوا أيديهم نحو جيبك، كي يمزقوه؟ فالغريب الأول الذي مدَّ يده نحو جيبك، عاد حينما صرت طفلا في الثالثة، واقتطع من ثوبي دون أن تحرك ساكنا يا أبي! وليت الأمر توقف عند ذلك، فالغرباء الآخرون تشجعوا وهم يرون هذا الثوب الممزق، متروكاً سبيلا للعابرين، فمد كل واحد منهم يده، ونتف ما يريد، حتى تفتت جزءا جزءا، وصرت عاريا يا أبي، كما ولدتني أمي!

أخشى - يا سادة يا كرام - أن تجدوا في مسودات مذكراتي السرّية، شيئاً من هذا القبيل!!

مقالات أخرى للكاتب