Monday 30/06/2014 Issue 15250 الأثنين 02 رمضان 1435 العدد
30-06-2014

رسالة إلى غازي القصيبي (رحمه الله)..!

الغالي أبا سهيل..

o السلام عليك في دار الآخرة سلاماً يبوح بعطر الرحمة المباركة، عند ربَّ عزيزٍ مقتدر، وأنت بإرادة الله أهل لهذا الجزاء الخالد، لقاء ما قدمته لوطنك في دارنا الفانية بذْلاً وإنجازاً وإبداعاً! كنتَ يا غازي مناضلاً حتى آخر لحظة لصالح أبْناء أمتك حيثما كانوا، فحق عليهم أن يتذكروك فيشكروك ويزدادوا لك شكراً ووداً ودعاءً بالرحمة والرضوان.

***

وبعد..

o فتحل بعد يومين، وتحديداً، في الخامس من هذا الشهر الكريم، ذكرى رحيلك الحزين عن أهلك والمحبين لك! لكن الذكرى التي تتحدَّى النسيان هي مشهدُك يا غازي محاطاً بثلة من الشباب السعوديين العاملين في أحد مطاعم جدة ذات صيف من ذات عام، وقد اعتمرتَ زيّهم، وشاركتَهم في بعض مراحل تحضير الطعام، ثم، وهو الأشدُّ تأثيراً في النفس، حين سألتَ أولئك الشباب الباسمة وجوهم فرحاً بحضورك أن يجلسوا في مقاعد ضيوف المطعم، فيما أنت ومرافقوك من بينهم كاتبُ هذه السطور، والمسؤلون عن ذلك المرفق، (يتولون) تقديم الأطباق إلى أولئك (الضيوف) في تظاهرة وطنية حاشدة استمطرت ابتسامات الإعجاب والتقدير.

***

o أيها الـ(غازي) قلوبَ الناس، خلال رحلة الود لك عبر أكثر من أربعين عاماً ازدانت بقناديل الذكريات معك وعنك، لم أرك سعيداً ومبتسماً مثلماً شاهدتُك ذلك المساء من ذات صيف من ذات عام. كنتَ تشعر لحظتئذٍ أن جزءاً من (حلم السعودة) قد وُلدَ بين يديك متمثَّلاً في أولئك الشباب السعوديين ممّن تحدُّوا (فُوبيا العيب) التي بسببها يحجم بعضُ أقرانِهم عن العمل في القطاع الخاص! ورأيتُ تلك الـ(فوبيا) (تترنَّح) ذلك المساء استسلاماً لحلمك، وتسليماً بظَفَرك.

***

o كنتَ يا غازي تعيش نشوةً خاصةً من الفرح ذلك المساء، وكان وجهك ولسانك يعزفان نغْمَ الفرح احتفاءً بذلك، وخرجتْ صحف اليوم التالي تحمل صورك وأنت ترتدي قبعة (المضيف) تملأ الصفحات، وكان موقفاً حاشداً ومشهوداً! كانت رسالتُك يا غازي عبر ذلك الموقف المهيب تقول: لا عيبَ يا براعمَ الوطن يقفُ دون إرادة المرء الشريف في البحث عن اللقمة الحلال.

***

o أخي غازي.. أهنّئُك بحبَّ هذه الأرض الطيبة لك، رجالاً ونساءً.. شباباً وكهولاً، حباً شهدْتَه أنتَ حياً.. وأزداد بعد رحيلك قوةً ورسوخاً! وكان يوم رحيلك مشهوداً جسّدتْه تظاهرةٌ عارمةٌ من مشاعر الفقد لك والحزن عليك، والابتهال إلى الرب تبارك وتعالى أن يغفر لك وينزلك في دار الخلود! حتى الأقلام المشبوهة التي تعودت (النيلَ) منك في السرَّ والعلن.. حتى (خفافيش) (الإنترنت) التي احترفتْ نقدَك.. تَوارتْ عن الأبصَار والأسماع، إمّا تَراجُعاً عن مواقفها تأثّراً بفقدك، وإمَّا خشيةَ المواجَهة مع هدير الحب لك والحزن عليك ومن أجلك في كل مكان.

***

وبعد..

o ختاماً، هناك (رسالة) أخيرة أخاطبك فيها يا غازي من القلب فأقول: كنتَ (استثناءً) يا أبا سهيل، في مولدك.. في شبابك.. في شِعْرك ونثرك.. في تأهيلك.. في أدائك مُشاهَداً ومسمُوعاً، ثم.. في خدمة وطنك، على أكثر من صعيد، أكاديمياً ثم وزيراً، وستَبقىَ يا غازي (عطراً) من الود في قلوب مَنْ أحبُّوك عن بعد وعن قرب سواء! وسيَبقى ذكرُك وذكراك شأناً متألَّقاً على موائد الفكر، روحاً وعقلاً وإنجازاً.

o ورحمك الله رحمة الأبرار.

مقالات أخرى للكاتب