Monday 21/07/2014 Issue 15271 الأثنين 23 رمضان 1435 العدد
21-07-2014

عباءة أبي ( تنقذني ) من غول الروتين!

«يختزنُ الخاطرُ مَعِيناً لا ينْضبُ من ذكريات الصَّبا، خاصةً تلك المرتَبطةِ بفَتْرةِ الدراسة الجامعية في أمريكا .. مُبْتَعثاً من (وزارة المعارف) آنئذٍ، كان الطالبُ المبتعثُ آنذَاكَ يَنْعمُ بمَا يفْتقِدُه نظيرُه اليوم بالنَّسبةِ لتأْشِيرةِ الدخول إلى تلكِ البلادِ شِبْهِ القَارة، إذْ كان يُمْنَحُ تأشيرةً (شبْه دبلوماسية) تُسمَّى الـ(A - 2)، وذلك بموجب اتّفَاقٍ خَاصٍ بين البلديْن، ولم يكنْ منْحُها يَسْتغرِقُ سوى فترةٍ قصيرةٍ جِداً مقَارنةً بما يَحْدثُ اليوم!

**

«كان من أبْرزِ مزايا ذلك النَّمطِ من التّأْشِيراتِ أنه يُمكِّن حاملَها متىَ شَاءَ من العمَلِ بنظَام السَّاعاتِ في المدينة التي يدرسُ فيها وذلك خارج أوقات الدراسة، وما يتَقاضَاه لا يخْضَعُ لـ(مسطرة) الضرائب المحلية، ربَّما لأنّ المردُودَ الماديَّ له كان زَهِيداً فـي معظم الأحوال، ورُغْم ذلك، كان يمثِّلُ (موْرِداً) إضَافِياً تُقْضَىَ به حَاجَاتٌ، خاصةً ما يتعلّقُ بالسيارة، وقوداً وصيانة، ناهيكَ بما تَسْتنْزِفُه قسَائمُ المخَالفَاتِ المروُريةِ متى وُجِدت!

«عُدتُ إلى المملكة ذاتَ صيفٍ لزيارة الوالديْن والأهل، وكان بعضُهم يقيمُ في مدينة جدة، ثم حانَ موعدُ الإياب إلى أمريكا لاستْئنافِ الدراسةِ، فحَملتُ جَوازَ السَّفر الخاصَّ بي إلى السَّفارة الأمريكية في جدة طلباً للتَّأْشيِرة، وقَدّمتهُ إلى الموظفِ المختَصّ بها، فأشَار إلى ضَرُورةِ مراجَعةِ إدارةِ جَوازاتِ جدّةَ لتجْديدِ صَلاحيةِ الجواز، لأنّ ذلك شَرطٌ أساسيُّ لمنْحِ التأشيرة. وحين ذهَبْتُ إلى إدارة الجوازات في وسط جدة، ألفْيْتُها مكتظَّةً بالبَشَر، خاصةً ما يحيطُ بمكْتبِ مدُيرِها العام، وكان من العُسْرِ العَسِيرِ اختراقُ تلك الجمُوع بجَسِدي الهزيل وقامتي المتواضعة!

«وهنا، طَرأَتْ لي فكرةٌ لم أتردَّدْ في تَنْفيذِها، فَعُدتُ إلى منزل الأهل مسرعاً في سيارة أجرة واستعرتُ إحدى (عباءات) سيدي الوالد رحمه الله، وعُدْتُ إلى إدارةِ الجوَازات مُرْتدياً إيّاها، وأنا أكاد أتعثّر في خطاي بسببها، فإذا الجمُوعُ مكَانَها، لكن ما إنْ رآني أحدُهم حتى أفْسَح لي الطريقَ للدخول إلى مكتب المدير، واقْتدَى بفِعْلهِ كثيروُن، وما هي سوى ثوان حتى كنتُ أصَافحُ مديرَ عام الإدارة وأطلبُ منه إنجازَ مُهمّتِي، فيرحب بي ويوجِّه بمسَاعدتي في الحال، وتمر نصفُ ساعة أو نحوها وأنا في مكتب المدير قبل أن أحمَل جَوازي مُجَدَّداً إلى السفارة الأمريكية وأنالَ التأشيرةَ في اليوم نفسه، ثم أسَافِرُ إلى أمريكا في يوم لاحق!

«يومئذٍ، شَكرتُ لـعباءة أبي (وسَاطتَها) القيّمةَ إذْ منَحتنَي جاهاً (مُسْتَعاراً) مكّنني من إنجَازِ مُهمةٍ عَسِيرةٍ بحجْم مهمة (تجديد جواز) في إدارة مكتظة بالنفوس والأنفاس، مخْترقاً لذلك الغرض تِلاَلاً من البشَر، ومحقَّقاً (بفضلها) في دقائق معدوداتٍ ما كان إنجازُه يستغرق أياماً!

وحتى نلتقي:

«ألتمس من قرّائي الأعزاء العذر، ومنح هذه الزاوية (استراحة محارب) بدءاً من الأسبوع القادم بإذن الله حتى أعود من إجازة قصيرة مع أسرتي .. إلى اللقاء، وكل عام وأنتم بخير.

مقالات أخرى للكاتب