Monday 21/07/2014 Issue 15271 الأثنين 23 رمضان 1435 العدد
21-07-2014

نفذت المذبحة والناس في قيام العشر الأواخر

الساعة الآن الثانية عشرة والربع من صباح الجمعة ليوم العشرين من شهر رمضان. قبل ساعة بدأ الجيش البري الإسرائيلي يتوغل بدباباته ومدافعه داخل قطاع غزة، معززا ً بتكثيف الغارات الجوية وقصف البوارج من البحر. دخلت العشر الأواخر من رمضان وسوف تضج الأرجاء العربية الإسلامية بتلاوات الذكر الحكيم في صلوات القيام، والجماهير الإسلامية كلها تتحسب لأجر ليلة القدر.

في نفس الوقت، وهذا مؤكد لا شك فيه، سوف تضج سماء غزة وأزقتها وخرائبها بصرخات الأطفال والأمهات، صرخات رعب وذهول من النيران التي تشوي أجسادهم وهم بين الحياة والموت، يشاهدون أعضاء من سبقوهم إلى الفناء تملأ المكان ورائحة شواء الأجساد البشرية تختلط برائحة البارود والفوسفور والغبار.

يا لغرابة وغربة التعبد في مساجد آمنة مطمئنة تلفها أجواء رمضان الروحانية وتعبق بروائح البخور في الوقت الذي تتعرض فيه أفقر تجمعات المسلمين وأقلها إمكانيات معيشية لهذا الجحيم المصبوب في أجواء تلفها روائح الدماء والأجساد المحروقة وسحب قنابل الفوسفور. أين الذين يروجون للجهاد في سوريا والعراق ويرسلون شباب الأمة إلى مسارح اقتتال المسلمين في ما بينهم

واستباحة الدماء والأعراض والممتلكات من الجهاد ضد من يرتكب الجرائم مراراً وتكراراًً ضد المستضعفين في غزة والضفة الغربية؟.

وكالات الأنباء العالمية تبث المأساة لحظة بلحظة بالصوت والصورة، وبعض المراسلين الشجعان ينقلون صرخات الاستغاثة وحشرجات المحروقين بالحديد والنار، لكن الإخوة في الجوار يصطفون متراصين للتعبد بقيام العشر الأواخر، يقنتون وينشجون طالبين من الله أن يجعل لهم نصيبا في ليلة القدر.

لا شك أن الحكم في ذلك لله تعالى، فهو الذي يقرر من ينال الثواب ومن يستحق العقاب، ولكن التدين النقي الفطري يقول: إن الثواب والحصول على رحمة الله وقبوله سوف تكون هناك، لأهل غزة، أما عقاب الله وغضبه ولعنته فسوف تكون على الأرجح من استحقاق الآخرين.

غزة وما أدراك ما غزة وهي تتعرض لكل هذا الجحيم بشكل دوري ومنتظم، عاما بعد عام، وغالبا في شهر رمضان. غزة هي أنك لو جمعت كل سكان العالم، أي سبعة بلايين نفس على أرض دولة عربية واحدة بحجم مصر أو السعودية أو السودان، لما وصلت الكثافة السكانية بتلك الدولة إلى مثيلتها في غزة. غزة شريط ضيق من الأرض بمساحة ضاحية في إحدى العواصم العربية، ويسكن هذا الشريط قرابة مليوني نسمة.

عليك أن تتخيل بعد أن تعود إلى البيت من صلاة القيام، ماذا يعني أن يهجم خمسون ألف جندي مشاة بدباباتهم ومدافعهم وأن تغير عشرات الطائرات من السماء ومثلها من البوارج البحرية على مكان ضيق مكتظ بالأطفال والنساء والبؤساء هو شريط غزة.

هل أقول- يرحمكم الله- يا أهل غزة؟. أجل لأنهم يستحقون الرحمة دون أولئك الذين يتسببون في قتل أبناء الملة الواحدة، وأخص منهم أولئك الذين يجندون أبناء هذا الوطن على الغدر بأخوتهم المكلفين بحراسة أهلهم وذويهم وبلادهم على الحدود، مثلما حصل قبل أيام على حدودنا الجنوبية في منطقة شرورة. لقد خابت أمة قوامها أربع مئة مليون نسمة تعيش بهذه المواصفات والمفاهيم، وعليها من الله ما تستحق.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب