Saturday 26/07/2014 Issue 15276 السبت 28 رمضان 1435 العدد
26-07-2014

من يسمي نفسه داعية!

لاحظت في إحدى المقابلات التلفزيونية أو الخاصة (منشورة على اليوتيوب) أن الشيخ عايض القرني يحكي قصة طلبها منه من كان يعمل معه المقابلة؛ فقال إن هناك بعض الطرائف، التي شاهدتها خلال زياراتي إلى المبتعثين في الغرب (وأظن هذه القصة - كما قال- قد حدثت في بريطانيا)، ويقول فيها: كان أحدهم يطلق على نفسه «داعية»، ويشتغل في مركز إسلامي، يدعو الناس إلى الإسلام. ويوزع الكتب، ويعمل أشياء تتصل بالدعوة الإسلامية. ومن سوء نيته أنه كان قد وضع عينه على زوجة أحدهم (أظنه ممن كان يتردد على المركز، لكنه غير مسلم، وهي كذلك غير مسلمة). فحرص على أن يشتغل عليها بإخلاص زائد لإقناعها بالإسلام، فبالتالي تتطلق من زوجها، ويتزوجها هو (هذا هو السيناريو الذي وضعه في رأسه). وبعد أن رأى منها إقبالاً على ما يعرض عليها من كتيِّبات، زادت ثقته في نيله إياها؛ فطفق يبشِّر جماعته، بأنهم سيسمعون خبراً جميلاً بعد وقت قريب. أسلمت الفتاة، فتشوَّق للبحث عن أحسن الأوقات لمفاتحتها في الموضوع. لكنها بعد إسلامها بأيام، جاءته «المسكينة» (المخدوعة بأنه مجتهد في إسلامها من أجلها)، لتبشّره بأنها قد أقنعت زوجها بالإسلام، وأنه سيعلن إسلامه قريباً. غمرته الكآبة، وعاد إلى جماعته، ليشتم زوجها، ويقول: بيسلم ابن الكلب!

ما يهمني في القصة بكاملها هي عبارة التقديم من الشيخ عايض القرني، بأن ذلك الشخص ممن يطلق على نفسه «داعية». لماذا يا شيخ عايض؟ هو داعية بحق وحقيق، بل ربما يكون أكثر جدارة من الشيخ عايض نفسه باللقب. فهو يشتغل في مركز دعوي، ويدعو الناس إلى الإسلام (بغض النظر عن أسبابه في دعوة بعضهم). لكن ما فات الشيخ عايض في تلك العبارة أنها تعبير أخرجه العقل اللا واعي لدى الشيخ، الذي يريد تبرئة الدعاة من الطمع في الدنيا، وأنهم لا يريدون بعملهم - جميعهم دون استثناء- إلا الخير، وهو بكامله لوجه الله.

وهذا - لعمري- افتئات على الواقع. فلو فتشنا في سير كثير من الدعاة، لوجدنا القلة هم من يكون عملهم منطلقاً من المبادئ وحدها. فالداعية هو من يقوم بذلك العمل، سواء كان صالحاً أو غير صالح. وقيامه بنشر تعاليم دين أو مذهب لا يعني على الإطلاق نقاء سريرته، أو طيب محتده. ولو نشرنا شيئاً عن المبشّرين بأديان كثيرة صفات لؤم وخبث وكذب، وادّعاء أشياء لم تحصل، لوافقنا عليها ربما الشيخ عايض؛ أما أن تكون تلك الصفات من دعاة الدين أو المذهب الذي ينتمي هو إليه، فلا يمكن أن يكون ذلك صحيحاً في رأيه. يكفينا أن نتلفت حولنا في سير عدد من مشاهيرهم، لنجد الكذب والرياء والوصولية والحقد والأنانية عند عدد منهم. فهل سيبرئهم الشيخ عايض جميعاً، أم سينفي عنهم صفة «الدعاة». لا يا شيخ عايض؛ صفة العمل تنطبق على صاحبك الذي نقلت سيرته، أما صفاته الذميمة، فهي خاصة به شخصياً، وصحتها على عهدتك. غير أنه لا يهمنا الآن مدى صحة سلوك أحدهم؛ المهم ألا نكون مخادعين بادّعاء المثالية لأي مهنة كانت. فشرف عمل ما لا ينتقل إلى كل من يعملون فيه، أو يحيطون ببيئته، وإلا لكانت المعابد والكنائس والمساجد لا يدخلها إلا الأنقياء.

الأمر يذكّرني بمقولات عامة، كان يرددها وعاظ الصحوة من قبيل: احذروا العلمانيين، فإنهم يشهدون شهادة الإسلام، ويصلون صلاتنا، ويصومون شهرنا، ويزكون ويحجون؛ لكنهم أخطر على الإسلام من أعدائه. فلا يتبينهم المسلم العابد، وينخدع بعباداتهم. عجباً أن تسيس مبادئ الإسلام، ليصبح الانتماء إليها حكراً على فئة بعينها، وأن نبقى على ذلك!

الرياض

مقالات أخرى للكاتب