Saturday 02/08/2014 Issue 15283 السبت 06 شوال 1435 العدد
02-08-2014

للعالم.. وللتاريخ

من قلبه الكبير وضميره الحي تدفق من شرايينه حجم الألم الذي عاناه ويعانيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز مما آل إليه الوضع في المنطقة العربية والإسلامية دولاً وشعوباً، فحرَّكه هذا إلى أخذ المواقف الجسورة، الداعمة لوحدة الصف ونبذ الخلافات، بحكمة القائد المجرب والمخلص لهذه الأمة.

***

عبدالله بن عبدالعزيز ظل هذا هاجسه، يريد من أمته أن تكون قوية وعاقلة، ويبحث لها عن مسارات تجمعها ولا تفرقها، في مواقف ورؤى التصقت بزعامة هذا الملك، فأصبحت جزءاً حياً من تاريخه، ومن نتاج عمله وفعله، ومن الدروس التي يفترض أن تتعلمها أمته بشعوبها وقادتها.

***

هل أقول إن صوته قد بح دون أن يتم التفاعل مع مواقفه بما تستحق، وأن نداءاته لم تجد من الآخرين من يترجمها إلى فعلٍ يجنب المنطقة العربية والإسلامية سلسلة المؤامرات التي تحاك ضدها، هل أقول إن هناك من هو في الصفوف الأولى من الأمة وقد وضع نفسه في خدمة العدو محققاً ما يحول بين صوت حكيم العرب عبدالله بن عبدالعزيز وبين استمرار الوضع العربي والإسلامي المتردي بشكل ممنهج ومرسوم كما خطط له أعداء الأمة.

***

لا بأس من الاعتراف -ولو على مضض- بأن هذا هو حالنا شئنا أم أبينا، طالما سلمنا أمرنا لمن لا يريد لنا الخير، وأبقينا رؤوسنا مطأطأة لعدونا، دون أن نمتلك القوة والإرادة والعزيمة التي يفترض أن نواجه بها مظاهر الضعف والانكسار وحالة التردد، بل والاستسلام لمن أوهمونا أننا غير قادرين على الدفاع عن حقوقنا من خلال الإيحاء بأنه من العبث أن ندافع عن حقوقنا أمام عدو هو الأقوى فيما نحن منشغلون بخلافاتنا وصراعاتنا.

***

لقد شوهت صورتنا النقية كأمة عربية وإسلامية، وأصبحنا نوصف بالإرهابيين، فيما أن الإرهاب تنظيم دولي اكتوت بناره الدول العربية والإسلامية أكثر من الدول التي تدعي محاربة الإرهاب، وإن وجدت أرضاً خصبة في عالمنا العربي والإسلامي حين سهل لها المغرضون الحاقدون على أمتنا كل أمر، حتى توهمت بأنه اشتد عودها وقويت شوكتها، وأخذت تعبث في الأرض إرهاباً وفساداً.

***

إنه لأمر محزن حقاً، لا يمكن لي أن أصفه وأشخصه وأقول عنه أكثر مما قاله عبدالله بن عبد العزيز في كلمته الضافية التي وجهها للأمة، وفيها قوله من العيب والعار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ما يفعلون باسم الدين، فيقتلون النفس التي حرم الله قتلها ثم يمثلون بها ويتباهون بنشرها، ليلصق هؤلاء الخونة بالإسلام كل أنواع الصفات السيئة بأفعالهم وطغيانهم وإجرامهم، ومن ثم يظن من لا يعرف الإسلام على حقيقته أن ذلك يعبر عن رسالة الإسلام.

***

لقد تضمنت كلمة عبدالله بن عبدالعزيز مجموعة رسائل إلى علماء وقادة العرب والمسلمين، داعياً إياهم إلى موقف جاد في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم على أنه دين التطرف والكراهية والإرهاب، وأن عليهم أن يقولوا كلمة الحق، مذكراً بأن الأمة تمر الآن بمرحلة تاريخية حرجة، وأن التاريخ سيكون شاهداً على من كانوا الأداة التي استغلها الأعداء لتفريق وتمزيق الأمة وتشويه صورة الإسلام.

***

ولم ينس الملك عبدالله في كلمته التاريخية -وكيف له أن ينسى- ما يجري الآن في غزة من سفك للدماء في مجازر جماعية، وجرائم حرب ضد الإنسانية، مشيراً إلى أن ذلك يحدث أمام سمع العالم وبصره، غير مكترث بما يجري، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، التي لزمت الصمت، وكأن ما يحدث أمر لا يعنيها، مذكراً بأن مثل هذا الموقف من المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته ودوله، سوف يؤدي إلى ظهور جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضاً للسلام، ومؤمناً بصراع الحضارات لا بحوارها.

***

إن ما يجري في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر وغيرها يمثل في جزء منه أعمالاً إرهابية، ويأتي ذلك بسبب تخاذل من بيدهم الأمر من الدول والمؤسسات والمنظمات عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب، وعدم تفاعلهم بشكل جدي مع فكرة تبني الملك عبدالله (المركز الدولي لمكافحة الإرهاب) والذي كان قد دعا إليه قبل عشر سنوات، وحظي مقترحه بتأييد العالم أجمع في حينه، غير أن غياب التنسيق الأمثل بين الدول أصاب من تبنى الفكرة بخيبة أمل، وها هو الإرهاب يقوى ويشتد ويمتد إلى دول عديدة، بينما يقف العالم متفرجاً وربما داعماً أحياناً.

***

فعلى دول العالم بقادته وشعوبه وقد استمعوا إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين بكل مضامينها، أن يصحوا من غفوتهم، ويدركوا أن نار الإرهاب لن يسلم منها أحد إذا ما استمرت المواقف الدولية على ما هي عليه، وعلى الجميع أن يتذكر أن القضية الفلسطينية ستبقى شعلتها متقدة ومنذرة باستمرار المشاهد الإرهابية ما لم يتم التوصل إلى حل لهذه القضية وفقاً للمعايير والقرارات الدولية ذات الصلة بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

مقالات أخرى للكاتب