16-08-2014

ما أجوعنا إلى العنف!

مع أحداث العنف التي تجتاح المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص شرقها الأبي، اتضحت صبغة الشخصية العنيفة في مخيلة الناس المنتمين إلى هذه الثقافة، أكثر من أي وقت مضى. فمواقف الناس المختلفة من أبرز المستجدات على الساحة، وهي أخبار داعش وخلافتهم وحزهم الرقاب، وسحلهم الأجساد من جهة، والمناوشات العبثية بين أسرائيل ومناوئيها في غزة من جهة أخرى، تبرز ذلك الاتجاه الطاغي.

فإذا نظرنا إلى ما ينفذه أنصار داعش في العراق والشام من قتل وتقطيع الرؤوس، والمبالغة في العنف الجسدي، فإنه لن يكون بعيداً عما يفكر به الآخرون تجاه خصومهم والمختلفين معهم بالرأي. عندما تقول رأيك فيما يجري من أحداث، فأنت أمام خيارين؛ أحدهما أن تساير ركب الجهلة والغوغائيين الذين يمجدون الذات، وكل ما يمت إليها بصلة، ويغرقون في مستنقع اجترار شعارات الماضي (من دينية أو قومية أو شوفينية عنصرية)، وتمجد كل عمل عنيف، حتى وإن كان عبثياً، ويجر على أصحابه الويلات، ويخسر بسببه العرب كثيراً من تعاطف العالم مع بعض قضاياهم العادلة. أما الخيار الآخر، فهو أن تقول رأيك بموضوعية حسب تقويمك للأمور؛ وعندها ستكون في موقع المسيء إلى أمتك وقومك وعروبتك وثقافتك، والمتنكر لأصلك وفصلك، والمصطف في صفوف أعدائك؛ بل ستنعت بالمتصهين ومن ذوي الميول الإسرائيلية. وهذه هي لعمري أساليب اليهود التي استطاعوا بها أن يخرسوا كثيراً من منتقديهم في الغرب، باتهامهم بالعداء للسامية، إن قالوا شيئاً لا يوافق هو المخططين للحركة الصهيونية.

ومن اللافت للنظر أن بعض المتحمسين للمنافسات الرياضية في كأس العالم الأخيرة لكرة القدم، كانوا يشيدون بالفريق الألماني قبل فوزه، وحتى بعد أن نال الكأس في نهاية المسابقة؛ بأنهم أحفاد هتلر! مع أن الألمان الحاليين لا يشرفهم أن هتلر (مجرم الحرب العالمية الثانية) كان زعيماً في بلادهم، بل يحاولون طمس كل تأثير له على الثقافة الشعبية، وخاصة في أوساط صغار السن، ممن يخاف المربون من انضمامهم إلى «النازيين الجدد»؛ وهو تنظيم يسعى إلى العنف، وينشر العنصرية بين فئات الشعب. وأظن سبب استدعائهم هذا الرمز الكريه في التاريخ الألماني جوع الثقافة العربية إلى العنف والقتل، وليس تمجيداً لهتلر.

وحتى عندما انتشرت صور الطبيب النرويجي، الذي يحتضن أطفالاً قضوا في التراشق بين حماس وإسرائيل، بدأت الآلة الإعلامية الغوغائية بالمقارنة بين طبيب غربي اصطف مع الأطفال الفلسطينيين، وبعض العرب الذين اطصفوا مع إسرائيل. وكل مراقب موضوعي يعرف أن أياً من الحالتين ليس صحيحاً، فلو انتقل الطبيب النرويجي إلى أي قرية إسرائيلية يعالج فيها أحداً ممن أصيبوا في الصراع، لاحتضنهم بدافع حبه لمهنته المتضمنة تضميد جراح المصابين والقلق على أرواح من يموت منهم. وكذلك الكتاب العرب، الذين يمقتون متاجرة حماس بالدم الفلسطيني، يتكلمون عن كل ابتزاز للشعوب، يقوم به المنتفعون في بقاع الأرض المختلفة، بكثير من المقت.

فمن الذي ينشر إعلامياً وفكرياً هذه المكارثية المسيطرة على تفكير كثير من فئات الشعوب الشرقية، وطبقاتها المختلفة؟ فقد لاحظت أن الطبقة السياسية، والإعلامية المهنية، لم تسلم من الانجرار خلف تلك الفوبيا. أظن أكثر عواملها فاعلية هم أناس لا علاقة لهم بالمسحوقين في مناطق الاحتلال، بل هم طبقة منتفعة، وبعضهم يعيش في أوربا أو في فنادق فخمة في الشرق، أو في وظائف تمثيلية عليا، ويعيشون في ترف بسبب الأوضاع المأساوية لمناطق الاحتلال. فهم لا يريدون أن يتغير شيء؛ وأكثر ما يخافون منه هو تغير المزاج الشعبي عن تلك المكارثية الممتدة لما يقرب من سبعين عاماً.

الرياض

مقالات أخرى للكاتب