19-09-2014

«الدعاة».. والصّمتُ المريبُ!

في خضم ما تشهده الساحة العربية، من ثورات عارمة، أكلت الأخضر واليابس، أعادت دولها وشعوبها، قروناً إلى الخلف، لمّا أطاحت بأنظمتها الحاكمة، كانت تظنها سبب تأخرها، وفقرها، فإذا بهذه الشعوب، وبسبب تشتت أهوائها، وأهدافها، تضلّ الطريق، وتفتحه بمساراته المتعددة، المعبّدة، أمام حركات وتنظيمات، ذات أفكار، موغلة في التشدد، لبست ثوب الدين، وتدثرت به، ورفعت رايته، وهي أبعد ما تكون عن تعاليمه السمحة، ساهمت في تشويه صورته الناصعة، وجعلت تهم أعدائه الحقيقيين، تلاحق أتباعه، الأصفياء الأتقياء، جراء تصرفات حمقى، لا تليق به أصلاً، فضلاً عن كونه لا يقرها، ويشدد النكير عليها، من خلال نصوصه الشرعية، وأقوال السلف والخلف من علماء الأمة المعتبرين، ما يسمى بتنظيم (داعش) و(جبهة النصرة) مثالان، ماثلان، أمامنا، لا تخطئهما العين، مظاهر زعماء وأتباع هذين التنظيمين، مظاهر إسلامية، القاسم المشترك بينها، إرخاء اللحى، وحلق الرؤوس، أو إسدال الشعر، ولبس السواد، باعتباره الشعار الرسمي لمثل هذه التنظيمات الحركية المتشددة، كم رأينا من شنائع أفعالهم، التي لا يقرها عقل ولا دين، بات جز الرؤوس، وتعليقها، والتكبير عليها، والتمثيل بالجثث، مرتبطا بهذه التنظيمات الضالة، في سلوك قبيح، لم نعهده في تاريخنا الإسلامي، رغم نتوء بعض الحركات الثورية، وارتدادها على دولها، الدولة حرسها الله، ببعد نظرها، أيقنت خطورة التنظيمات الحركية المتشددة على الدين وعلى الوطن، فبادرت بوضعها في قائمة التنظيمات الإرهابية، وحذرت منها، أو التعاطف معها، أو التسلل للانضمام إليها، لما رأت بعض الشباب المغرر بهم، يتساقطون في أحضانها، يُمثل بهم، وتُقطع رؤوسهم، ومع حرص الدولة ومتابعتها لهذا الأمر الخطير، إلا أننا وللأسف الشديد، نرى من يرفع شعار التعاطف في مواقع التواصل الاجتماعي « تويتر» بشكل خاص، تحت أسماء وهمية، يستخدمون أسلوب التهديد والوعيد لمن ينكر أو يشنع بهذا التنظيم أو ذاك، هذه الأسماء المستعارة تكشف نفسها بنفسها، من خلال أسلوبها الهابط، وثقافتها البسيطة، مما يشي، باستخدامها - من قبل رموز هذه التنظيمات - كأدوات لتحقيق أجندات شيطانية، لكن الذي أصابنا في مقتل، عندما تلحظ من تسمى بالشيخ أو الداعية، يقف، موقف المتفرج، ويغلّب جانب الصمت، لا يُكلف نفسه بالإنكار على مثل هذه التنظيمات المتشددة، ولا ينصح الشباب من مغبة شرورها، وخطورة الانخراط فيهاخاصة وهو يرى أفعالها القبيحة، وتهديداتها للوطن وقيادته، هذه عيّنة من الذين لا أخالهم، إلا متعاطفون مع (داعش) وأخواتها الضالة، والعيّنة الأخرى، هي أكثر شرّاً من الأولى، تلك الأسماء التي تُحرض بطريقة أو أخرى، تفضحهم تغريداتهم في «تويتر» إما تصريحاً أو تلميحاً، ومنهم من كشفته الداخلية، وافتضح أمره، بعدما نال فرصة العفو من محكوميته بحالات مماثلة، حتى عاد لما نُهي عنه، مما يعني تشرّب الشر بعروقه، هذه العينة رأينا المتعاطفين معهم في مسيرات سابقة، كيف رفعوا شعار ( فكوا العاني) يطالبون بإطلاق سراح الموقوفين في قضايا أمنية تمس الوطن، تعجب من هذه السلوكيات الخاطئة، يكون أبطالها، قد خرج، من رحم هذه البلاد، التي تطبق شرع الله، سلموا عقولهم الغضة، ورقابهم، لأتباع هذه التنظيمات الضالة، يسوقونهم للمحارق، كيفما شاءوا، يجبرونهم على تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، أو الموت تحت أقدامهم، بطرق بشعة، كما شاهدنا ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، في صور تتفطر لها القلوب، ويشتد العجب لما ترى من تسمى بالداعية أو الشيخ أو الأكاديمي، وتجد له ظهوراً طاغياً في القنوات الفضائية، يولول، ويصرخ، ويقلب الحقائق، يمثل على الدهماء والعامة، ولم ينبس ببنت شفة، يبدي فيها غضبه لما يجري لشباب الوطن وما يراد لهم وهم يساقون إلى مواطن الاحتراب والفتن، ويفجرون بأنفسهم، لا تكاد تجد له تغريدة واحدة في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة « تويتر» يدعو فيها لولي الأمر أو حفظ تراب هذا الوطن، الذي تبحبح، على ترابه، وأكل وشرب من خيراته، تقول في نفسك، ما الذي حدث لأمثال هؤلاء؟ وما الذي طمس على عقولهم، وران على قلوبهم؟ وما الذي يرمون له في الخفاء؟ يا ترى ماهو رصيدهم من العلم الشرعي، حتى يناكفوا العلماء الكبار، ولا يأخذوا بأقوالهم، وفتاواهم الحاكمة في هذه التنظيمات الضالة، التي تعشق الدم والخراب والدمار، وتساهم بتمزيق الأمة، وتمنح التأشيرات لأعدائها المتربصين، بالتدخل في شئونها، تحت ذرائع، منحتها لها هذه التنظيمات الضالة بطريقة أو أخرى، كم كنت متمنياً على كل من يحمل صفة الشيخ أو الداعية خاصة، أن يخلع جلباب الصمت، ويقوم بدوره الفاعل تجاه دينه ثم وطنه ومجتمعه وقيادته، ويبتعد بنفسه عن مواطن الريبة والشبهة، فمن وضع نفسه في موضع الشبهة، فلا يلومن إلا نفسه، كما قال بذلك الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، نسأل الله الهداية والرشدلجميع، وأن يجنبنا، وبلادنا، وقيادتنا، كل مكروه.. ودمتم بخير.

dr-al-jwair@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب