29-09-2014

ما فات القطار

من المعلوم لدى القراء مقولة (فات القطار) للإشارة إلى ضياع فرصة أو فوات سانحة، لما للقطار في المخيلة الجمعية من ثبات المسير ومواعيد الانطلاق والوصول ودقتها المعهودة، إضافة إلى مزاياه الأمنية والراحة ورفاهية السفر من خلاله خاصة أنواعه الحديثة في العقدين الأخيرين.

هناك في المملكة دراسة جدوى اقتصادية لإنشاء شبكة للسكك الحديدية تمت في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- ومعلوم أن السكة الوحيدة قد تم إنشاؤها من قبل شركة (أرامكو) قبل عقود واستمرت تعمل وحيدة وما تزال، إلى أن يتم استكمال مشروع قطار الشمال وذاك الذي يربط الشرق بغرب المملكة إضافة إلى قطار الحرمين الشريفين. إنما استبشر الناس خيراً بالإعلان الأخير من قبل مؤسسة الخطوط الحديدية بإعداد (دراسة) لربط مدن المملكة بشبكة قطارات، أي إضافة إلى تلك التي تربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، وجعل القطار وسيلة سفر مفضلة بين مدن المملكة والتي يفصل بعضها عن بعض مئات الكيلومترات. فليس من المعقول أن تنحصر وسائط التنقل والسفر بين الطائرة والسيارة في الغالب الأعم، مع ما تشهده الطرق البرية من ضياع في الأرواح نتاج الحوادث المميتة وإتلاف في الممتلكات العامة والمركبات والتلوث البيئي والبصري، هذا مع ضعف الخدمات على الطرق وسوء معظم الموجود عليها من محطات ومرافق. أما الخدمات الجوية فتتقدم خطوة وتتراجع خطوات على أمل تحلحلها بتشغيل الشركتين الخليجيتين نهاية هذه السنة وعلى الجمهور الانتظار وطول الصبر.

إن مثل هذا المشروع الوطني الرائد سيعود بخير عميم على المجتمع بفئاته كافة وعلى قطاع الأعمال والتجارة كذلك، وسيخلق فرص عمل للشباب السعودي وفيرة، إلى جانب جعل السفر متعة لا معاناة، إضافة إلى زيادة حركة السفر والسياحة المحلية.

ومعلوم أن المملكة إلى جانب فنزويلا والكويت تعد أرخص دول العالم في سعر البنزين، وهذا ما يعد من أسباب الأعداد المهولة للسيارات في طرقنا، ما يجعل بعض المحللين يتوقعون أن تتعاظم معدلات استهلاك الوقود داخل المملكة إلى جانب استهلاك محطات الكهرباء والتحلية والمصانع مما يضطر المملكة إلى استيراد الوقود بدءاً من عام 2025 إن صحت التقديرات. ولعل مشروع الشبكة الحديدية هذا أتى بعد استشعار الحكومة إلى خطورة تعاظم استهلاك الوقود وأثره الاقتصادي على البلد، وهو سوف يسهم على كل حال إذا شاء الله في وقف هذا الهدر الهائل إن كان في الوقود أو في الموارد الطبيعية والبشرية والبنية التحتية كما أشرت سلفاً.

تمتلك الهند أطول شبكة حديدية في العالم، واحتفلت بريطانيا قبل أشهر بمرور مئة وخمسين عاماً على إنشاء القطار تحت الأرض (المترو)، والذي كان السبب في إنشائه الحفاظ على المباني والمنشآت العريقة في لندن، إضافة إلى تلافي ما يعيق حركته وسيره. فماذا ينقص دولة بإمكانات اقتصادية ضخمة وبمساحة هي أكبر وبالتالي أشد حاجة إلى وسيلة آمنة واقتصادية راقية وفعالة كالقطار، مثل المملكة.

إن محطات القطارات والمترو تمثل واجهات تباهي بها الدول المتقدمة كما المطارات، بل وتنظم فيها معارض فنية ومهرجانات ثقافية، إنها مرافق اجتماعية إلى جانب كونها مرافق نقل وسفر. إن المجتمع السعودي متعطش إلى هذا المشروع ويعني له الكثير وفي كل مناحي نشاطاته لأنه لطالما أعياه الصبر والانتظار عقوداً حتى يستبشر بهذه الشبكة، مشروع تأخر كثيراً لكنه أتى أخيراً... ما فات القطار، ودمتم.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب