12-10-2014

ماذا تريد (أمريكا) بـ(الفلسطينيين) ومنهم..؟!

ربما كان أجمل ما في أخبار.. يوم (وقفة) حجنا لهذا العام.. في يوم الجمعة - قبل الماضية - التاسع من شهر ذي الحجة - الثالث من شهر أكتوبر.. هو (الخبر) الذي تناقلته وكالات الأنباء عن إعلان رئيس وزراء السويد الجديد (ستيفان لوفين) في بيان حكومته لـ(البرلمان) السويدي:

(اعتزام حكومته الاعتراف بـ»دولة فلسطين».. على أساس إمكانية إنهاء الصراع بين إسرائيل وفلسطين عبر حل الدولتين، والذي يتم التفاوض بشأنه وفقاً للقانون الدولي)..؟!

ولكن.. وقبل أن تعلن «السلطة الفلسطينية» عن ترحيبها وسعادتها بهذا القرار التاريخي الشجاع الذي يأتي من واحدة من كبريات دول الاتحاد الأوروبي، والذي ستتبعه حتماً بعض دول (الاتحاد) السبعة والعشرين إن لم يكن جميعها.. ربما باستثناء (بريطانيا) صاحبة الوعد المشؤوم، و(ألمانيا).. المرعوبة على الدوام من اتهامها بـ»معاداة السامية»!.. كان البيت الأبيض الأمريكي، ومعه إسرائيل - بطبيعة الحال - أسبق في الاعتراض على قرار ستيفان لوفين رئيس الوزراء السويدي.. وتسفيهه سياسياً بـ(أنه سابق لأوانه)..!!

مع ما لحق ذلك - وعلى الفور - من تلويح باستخدام ضغوط سياسية واقتصادية على (السويد).. بلد السلام وصناعته وجوائزه العالمية الكبرى (نوبل)، والذي يعتمد اقتصاده على تصدير الغذاء للعالم أجمع (لحوماً وأسماكاً، وأجباناً وألباناً.. إلخ..).. وفي مقدمتهم دول الاتحاد الأوروبي التي تحسب ألف حساب للضغوط الأمريكية التي ستمارسها عليها الولايات المتحدة الأمريكية إن هي مضت في ذات طريق (الاعتراف) بـ(الدولة الفلسطينية).. بعد مقدمة اعتراضاتها على القرار السويدي.. (المحيرة)!! لأنها تأتي من الدولة الراعية لمفاوضات السلام - بين إسرائيل والفلسطينيين - والتي أجراها وزير خارجيتها (جون كيري) لتسعة أشهر، وما زال يسعى لاستكمالها.. و(المحزنة) لأنها تأتي من (الدولة) صاحبة (حل الدولتين.. اللتين تعيشان جنباً لجنب في سلام)، والتي وإن كان لا أحد يدري كيف خطرت ببال معتوه السياسة الأمريكية (جورج بوش الابن).. أو كيف استطاع نطقها، إلا أنها اعتُمدت أممياً.. وشكَّل لها مجلس الأمن لجنة رباعية - من أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا -.. لإجراء المفاوضات بين طرفيها - الإسرائيلي والفلسطيني - بهدف تحقيقها.. على أرض الواقع، إلا أنها تعثرت بفضل عته بوش الابن (أولاً).. ورؤيته بأن الإرهابي المجرم (شارون).. بطل مذبحة صبرا وشاتيلا واقتحام باحة المسجد الأقصى.. والذي تطارده العدالة (الأوروبية) وتنتظر لحظة إلقاء القبض عليه.. إذا ما حل بأي مدينة أوروبية.. لا يجد شريكاً لـ(السلام) في شخص الرئيس (عرفات) - حامل جائزة نوبل للسلام مناصفة مع إسحاق رابين - للتفاوض معه!! لأنه (إرهابي) من وجهة نظر بوش الابن.. الذي لو كان العالم يُحكم بـ(العدل) ومنطق (القانون الدولي).. لسيق هو نفسه إلى محكمة جرائم الحرب الدولية في (لاهاي) باعتباره مجرم حرب.. بـ(عدوانه) على العزل الأفغان وقتلهم بعد تدمير برجي التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م.. دون أن يكون بين المتهمين في ذلك التدمير أفغاني واحد!! وبـ(غزوه).. وتدميره ونهبه لـ(العراق).. رغم أنف العالم ومعارضة كل دوله للغزو عدا بريطانيا بلير وإسبانيا اثنار..!!

ثم تتابع بعد ذلك تعثر المفاوضات.. إلى أن غادر بوش الابن البيت الأبيض غير مأسوف عليه، وغادر (شارون) إلى الجحيم!!، وجاء وذهب (أولميرت).. إلى أن وصل (نتنياهو) بـ(تحالفه) ليصبح التعثر وكأنه بند من بنود أجندة المفاوضات!!

* * *

لذلك.. فقد أصاخ العالم - والعربي منه.. بالذات - سمعه لسماع رأي (فرنسا) في (الاعتراف) السويدي بدولة فلسطين، وفي المعارضة الأمريكية الفجة والمخجلة له.. ليس باعتبارها بلد الحرية والعدالة والمساواة، فذلك زمن ربما ولّى مع رحيل زعيمها الخالد وباعث أمجادها (شارل ديجول).. ولكن لأنها ثاني اثنين في قيام (الوحدة الأوروبية) مع شريكتها الكبرى والأقوى اقتصادياً (ألمانيا)، وقد عانت كلتاهما من (الاحتلال) ومآسيه.. الأولى (فرنسا) من احتلال الجيوش النازية لها في الحرب العالمية الثانية.. والثانية (ألمانيا الغربية) من احتلال نصفها الشرقي من قِبل الاتحاد السوفييتي.. بكل ما يعنيه الاحتلال من جبروت ومظالم واستيلاء على مقدرات الأوطان، وإلى أن تم خلاص (الأولى) منه.. مع هزيمة ألمانيا الهتلرية عام 1945م، وخلاص الثانية منه.. مع سقوط (حائط برلين) في نوفمبر من عام 1989م، ولذلك.. فقد كان متوقعاً أن تعلن (فرنسا) على الأقل.. تأييدها للقرار السويدي.. إن لم تحذُ حذوها.. فتعلن هي بالتالي عن اعترافها بـ(الدولة الفلسطينية) ليس تقليداً لـ(السويد)، فذلك ما تأباه طبيعة الفرنسيين وثقافتهم - المقدَّرة بكل تأكيد - ولكن تأييداً ودعماً لـ(حل الدولتين): العادل، والوحيد القابل للحياة بعد معاناة الستة والستين عاماً في مهالك الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والفلسطينيين، والذي أقرته الأمم المتحدة واعتمده مجلس الأمن.. إلا أن رأي فرنسا والذي أعلنته بعد أربعة أيام من القرار السويدي لم يأت على قدر التوقعات التي أصاخ العالم - العربي.. بالذات - سمعه لتلقيها.. بل ولم يأت وفق سياق العلاقات الفرنسية العربية المتميزة التي دشّنها الزعيم الفرنسي الراحل (شارل ديجول) بوقفته إلى جانب (الحق) الجزائري في الحرية والاستقلال عن فرنسا بعد محادثات (إيفيان) في مطالع الستينيات من القرن الماضي مع زعيم زعماء الجزائر (أحمد بن بيلا).. ضد هوس الجنرالات الفرنسيين الذين كانوا يرون في التراب الجزائري تراباً فرنسياً لا يمكن فصله عن التراب (الأم)!! ثم دعمه بموقفه المعارض من عدوان يونيه 67م الأمريكي - الإسرائيلي على مصر عبد الناصر.. بإيقاف شحنات الأسلحة الفرنسية لإسرائيل لأنها البادئة بالعدوان.. دون أن يحفل بغضب أو رضا (مايسترو) ذلك العدوان الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، ولا بإنكار إسرائيل وأكاذيبها وتوسلاتها بأنها لم تكن البادئة به..!!

لقد كان الموقف الفرنسي - من قرار الاعتراف السويدي - مخيباً - إجمالاً.. دون شك، وإن حاول المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية (رومان نادال) تقديمه.. بأكثر الصيغ تأييداً للقرار السويدي عندما قال (من المُـلح تحقيق تقدم في حل الدولتين، والتوصل إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تحيا في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل)، وأن (الحل الذي يدعمه المجتمع الدولي.. هذا، يعني أنه سيتعين يوماً الاعتراف بالدولة الفلسطينية)..!! إلا أنه يبقى دون مستوى فرنسا التاريخي مع (الحرية) وفي سبيلها، وأكثر اتساقاً مع قولة البيت الأبيض.. بـ(أنه قرار سابق لأوانه)..؟!

* * *

فماذا تريد (أمريكا).. من الفلسطينيين، وبـ(الفلسطينيين).. بموقفها المعارض لـ(قرار) اعتراف السويد بـ(الدولة الفلسطينية)؟ ألا يكفيها أنها خطفت من قبل (اتفاق أوسلو) الذي صاغته عبقرية شقيقتها (النرويج)، ووزير خارجيتها الراحل العظيم (جوهان هولست)، وجرت في مرحلته الثانية انتخابات فلسطينية شاركت فيها (القدس الشرقية) نفسها.. وجاءت بـ(عرفات) إلى الرئاسة الفلسطينية، ثم دمرت (أمريكا) مرحلته الثالثة.. مرحلة الحل النهائي (القدس والحدود والاستيطان وحق العودة)؟

وألا يكفي أمريكا.. أن عاد الفلسطينيون إلى مفاوضات (كيري).. رغم التعنت الإسرائيلي وحمى الاستيطان التي تلتهم أراضي الضفة الغربية الواحدة بعد الأخرى.. أمام أعينهم؟

وألا يكفيها.. معارضتها الشاذة من قبل لقبول دولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة كـ(عضو مراقب).. بينما دول العالم أجمع تؤيد تلك العضوية؟ حتى تزيد طينة مواقفها العدائية بلة.. من فلسطين والفلسطينيين بـ(اعتراضها) - الجديد - على اعتراف السويد بـ(الدولة الفلسطينية).. تحقيقاً لمبدأ (حل الدولتين) الذي نادى به بوش الابن..؟

فهل تريد أمريكا.. أن يسلم الفلسطينيون البقية الباقية من أرضهم التي بقيت بين أيديهم.. لـ(إسرائيل)، وأن يستبدلوا جوازات سفرهم الفلسطينية بجوازات سفر إسرائيلية عليها ختم نجمة داود.. لترضى عنهم (أمريكا)..؟ أم تريدهم بهذه المطاردة المستمرة لحلمهم وحقهم في (الدولة).. أن يتحولوا إلى (إرهابيين) فوق الكرة الأرضية لا همّ لهم غير (الانتقام) من أمريكا عدوهم وعدو أحلامهم الحقيقي..؟!

إن كلفة القضاء على حلم الدولة الفلسطينية.. أكبر بكثير من كلفة القبول بقيامها، والتي لن تزيد عن كلمة يقولها أوباما أو كيري.. بالنيابة عنه لإسرائيل: كفى!! ليحل السلام وتقوم الدولتان اللتان تعيشان جنباً لجنب في سلام!!

مقالات أخرى للكاتب