14-11-2014

لكل شيء معنى.. حتى الصمت

إذا افتخر الناس بحسن كلامهم.. فافتخر أنت بحسن صمتك.. عبارة توقفت عندها طويلاً لأذيل هذا التوقف بسؤال.. هل نحن بالفعل نجيد الالتزام بخصلة الصمت في المواقف التي تحتاجها مثلما نجيد الثرثرة في كل المواقف بين الصمت والكلام تكمن الحكمة وهذا ما ميّز العظماء والمبدعين على مر التاريخ..

أما الأطروحة الفلسفية التي تستدعي التأمل والوقوف عندها لنستشف أبعاد ما ترمي إليه هي أطروحة أحد الفلاسفة التي تقول (الأرض تدور ونحن أيضًا ندور.. فلا هي تهرب من تحت أقدامنا ولا نحن نهرب من سطحها) هذه العبارة الفلسفية أعادت ذاكرتي إلى تفاحة نيوتن وسر سقوطها الذي أوقد في فلك تفكيره الرغبة والحماسة لمعرفة السر الكامن وراء سقوط التفاحة وبعد الصمت الطويل المقرون بالتأمل والتفكر وضع نيوتن يده على السر الذي أرق تفكيره.. فتفاحة نيوتن لم تبق معلقة في الهواء عندما سقطت، بل جذبتها الأرض ومن التفاحة كان قانون الجاذبية الأرضية.. ولن اندهش لو أن أحدكم طرح سؤالاً..وما علاقة الصمت بتفاحة نيوتن وقانون الجاذبية الأرضية.. طرح أحد كم مثل هذا التساؤل يقودني إلى التساؤل.. ألا ترون أن هناك رابطًا يجمع بين الجاذبية الأرضية وانجذاب الإنسان نحو الأرض والتعلق والتشبث بها كلما اقترب من باطنها هذا ما اكتشفه نيوتن بعد صمت طويل.. جميع أجساد البشر تنجذب إلى الأرض ولكن بنفوس وأفكار.. بمبادئ وقيم وخصال مختلفة إيجابية أم سلبية ويبقى التمايز بينها حسب طبيعتها وتربيتها وتكوينها.

النفس البشرية إما ثائرة غاضبة أو حليمة وادعة.. إما ميالة للكلام والثرثرة بمناسبة وبدون مناسبة أو أنها نفس تواقة للصمت لكنه الصمت الذي يراوح بين صمت يسبق عاصفة وهذه مصيبة أو صمت يخفي وراءه بلاغة وحكمة.. أو أنه صمت لتأمل الجمال في حرم الجمال.

في كثير من الأحيان قد يكون للصمت جمال مشوب بالغموض مما يثير حفيظة التساؤلات حول كنه أنواع الصمت.. هل الصمت سلوك يتجلى فيه الدهاء لينخلع رداء الغموض في الوقت المناسب..أم هل الصمت انعكاس إيجابي أو سلبي ناتج عن اختبار لردة فعل إزاء موقف أو قضية ما..؟.. هل الصمت كبح لمفردات متأججة قد تنطلق في لحظة غضب..؟..أم هو صمت جهل وجبن وخوف.. أم أنه صمت عقل وفكر وحكمة.. تساؤلات كثيرة وإجاباتها تختلف باختلاف تفكير البشر وطبيعة التكوين النفسي والشعوري لديهم.. فقد يكون لإيماءة صامت صوت أعلى وأبلغ من أي صوت.. أو أن إشارة صامتة ثاقبة تعبر كلمح البصر لكنها تحمل في ثناياها منطق حكمة ورجاحة عقل.

للصمت صوت يتحدث به أولئك الذين يجيدون لغة الصمت.. والنفس البشرية المتزنة هي من تتحكم بجدارة في المواقف التي تحتاج إلى معالجة وذلك بعد صمت التروي وعدم الاندفاع الذي قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

الكلام والصمت كلاهما لغة وأداة للتعبير.. فكما أن الكلام يبوح عمّا بداخل النفس باستخدام مفردات اللغة المتوافقة مع كل موقف فالصمت نبض تعبيري بليغ في كثير من المواقف.. وكثير من الحكماء نقشوا من خلال الصمت أروع العبارات.. وتحدوا بصمتهم أشد الأزمات إلا أن الصمت لا يعني لجم اللسان عن الكلام.. ولعل حكمة نطق بها خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز تغني عن كل تعبير حيث سئل ذات يوم.. متى تحب أن تتكلم فأجاب أتكلم عندما اشتهي الصمت.. فقيل له ومتى تحب أن تصمت فأجاب أصمت عندما اشتهي الكلام الصمت لغة جميلة في كثير من المواقف.. فهنيئًا لمن يتقن هذه اللغة في الوقت والموقف المناسبين.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب