20-11-2014

برنامج الثامنة وتضليل «خطاب» الوظائف!

موضوع الخطأ أو التضليل الإعلامي حول الفرص الوظيفية، التي تعلن عنها بعض الوزارات والهيئات الحكومية، كان مثار طرح مهم وشفاف من قبل برنامج الثامنة للإعلامي البارز داوود الشريان، خلال البرنامج كانت لي الفرصة لمداخلة هاتفية حول الموضوع، ولأهمية الموضوع وحساسيته أردت اليوم أن ألخص ما طرحته خلال البرنامج وأتوسع في زاوية الطرح بهذا المقال، بما لم يسمح به وقت البرنامج، وجدير أن تكون البداية بتحديد مكمن الخلل وكيفيته قبل التشخيص والحلول.

لا بد أن نحدد في البداية، أن الخطاب الإعلامي الذي نقصده حول الفرص الوظيفية يتضمن ثلاثة مستويات، فالأول تصريحات رسمية أو إعلانات لوظائف حكومية غالبًا ما تخصص للوزارات أو الجهات الحكومية حسب احتياجاتها وتدرج في الميزانية كل عام، وهذه لا أعتقد أنها تمثل إشكالاً، فالخلاف حولها ضئيل باعتبارها تنضوي على مسار إداري بيرقراطي معلوم، والأخرى تصريحات لمسؤولين في الوزارات والجهات الحكومية حول ما يمكن أن توفره القطاعات الاقتصادية التابعة تنظيميًا لتلك الجهات استنادًا إلى دراساتها الإستراتيجية لخمسة أعوام أو عشرين عامًا، حسب الإطار الزمني للإستراتيجية، وهذا مكمن الخلاف، وأخيرًا، تصريحات لمنظمات أهلية كالغرف التجارية أو الشركات أو برامج المسؤولية الاجتماعية المختلفة، وهي في الغالب منضوية تحت هذا الجدل لاستتار بعضها خلف مصالح تمويلية أو تنظيمية تمارس من خلالها الضغوط على الجهات التشريعية والإشرافية!

طرح الإعلامي القدير داوود الشريان لهذا الموضوع، وبهذه الشفافية، مهم ومؤثر، بعد أن اختار برنامج الثامنة مساره للحوار المباشر في قضايا التنمية المتشابكة من زاوية المواطن ومصالحه بلغة واضحة وصريحة، ولن أدافع عن مسؤولية الإعلام في تعميق مشكلة خطاب تضليل الوظائف، ولن أنزهه عن الأخطاء التي قد يكون شارك في مسؤوليتها من خلال خبر أو مادة صحفية، لكن الصحف تستقي أخبارها من مصادر لها صفة رسمية في كثير مما تنشره حول هذه الأرقام المختلف حولها، وأنا على يقين أن الصحافة المكتوبة أسهمت بشكل أكبر في تصحيح الأخطاء، كما يشارك برنامج الثامنة والبرامج التلفزيونية والإذاعية المهنية في تشخيص المشكلة وتقديمها بوضوح أمام طاولة من يملكون الحل. وقد أسرّ لي أحد المسؤولين أن النقاش والطرح التحليلي الإعلامي الواعي أسهما في مراجعة كثير من الجهات للأرقام التي طرحتها مسبقًا لتعيد صياغتها بشكل تفصيلي قد يبدو متناقضًا مع طرحها الأول.

بعيدًا عن تضليل الأرقام في تصريحات الوظائف المعلنة، أرى أن مكمن الخطورة في أن جلّ هذه التصريحات تصدر عن مسؤولين حكوميين بارزين، وهو ما يعطي الإشارة إلى أن الحكومة هي من سيوفر هذه الوظائف بشكل مباشر، ويتعمق هذا الخطاب الإعلامي في وقت تجلس فيه المملكة إلى مقعد طاولة مجموعة العشرين الاقتصادية الكبرى التي تصر أدبياتها على أن خلق الوظائف ومسؤوليتها من قبل القطاع الخاص، وأن الحكومات يجب أن تدعم هذا القطاع، وتمنحه البيئة التنافسية لتحقيقها، خطورة هذه التصريحات أنها تكشف تأخر الخطاب الإعلامي الحكومي في مواكبة أولويات صياغة وعي الرأي العام نحو قضايا النمو والتنمية.

في مداخلتي المقتضبة في برنامج الثامنة يوم الاثنين الماضي تساءلت أيضًا حول دور مركز القياس الحكومي الذي صدر قرار إنشائه قبل سبع سنوات بقرار من مجلس الوزراء واحتضنه رحم معهد الإدارة طيلة السنوات الماضية دون أن تكتب له شهادة ميلاد مستقلة تخوله أن يكون مرجعًا لتقييم الوزارات والمؤسسات الحكومية بشكل علمي حتى في خطابها الإعلامي!

أخيرًا، لا بد أن أسجل شهادة حق للإعلام بكل أطيافه ووسائله وكتاب الرأي فيه وقادة الفكر الذين استثمروا مناخ حرية وشفافية الطرح الذي تشهده بلادنا لرفع الحجب عن كثير من إشكالات قضايا النمو والتنمية التي لا يضبط مسارها ولا يصحح إلا من خلال إعلام واعٍ يملك حرية وجرأة الطرح بمسؤولية.

عبر تويتر: fahadalajlan@

مقالات أخرى للكاتب