25-11-2014

(قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي)

هذه العبارة قالها النبي يوسف عليه السلام، وهو ملك وزعيم مصر في أوج ازدهارها الاقتصادي. وقال هذه العبارة - التي صارت آية في القرآن الكريم - للتعريف بنفسه مجرداً من الزعامة والمناصب! والآن يعمد الشخص لذكر منصبه وشهادته ووجاهته وقبيلته قبل أن يبدأ بذكر اسمه! بل إن بعض النساء تستمتع بالتبعية لزوجها حينما تعرّف بنفسها أنها حرم الوزير أو المدير، أو ابنة الوجيه المشهور! والأدهى من ذلك حينما يدّعي بعض الأشخاص معرفتهم بشخص ذائع الصيت ليرسموا لأنفسهم أهمية ويشعِروا مَنْ حولهم بالمكانة والحظوة!

ومن بديع الصورة القرآنية في سورة يوسف أن يتبع ذلك التعريف تتمة الآية: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِر}، بما يشير إلى أن التقوى والصبر هما من صور التجرد والتواضع، وجاءت هنا بعدم ذكر المنصب والكنية واللقب والاكتفاء بذكر الاسم الذي لم يختره هو وإنما اختارته أسرته!.

وعادة المناصب تبعث على الاستعلاء والتباهي لاسيما في وضع النبي يوسف عليه السلام حيث تحول من مملوك إلى ملك بعد أن مر بظروف عصيبة وسلسلة مؤامرات بدأت من إخوته، مروراً بمن انتشله من البئر وباعه بدراهم معدودة، وحتى زوجة عزيز مصر التي اتهمته بأخلاقه فلبث في السجن سنين! ولم يقتنص الفرصة للزهو بعد أن وصلت إليه فيثبت لإخوته أنه أصبح أفضل منهم وهو يتفضل عليهم وهم يطلبون الرفد منه.

وفي التشخيص النفسي لحالة النبي يوسف عليه السلام يلاحظ مدى تأصل ثقته بنفسه وحرصه على استمرار العلاقة بإخوته برغم قسوتهم عليه، لأن التباهي يحطم العلاقات ويقلب موازين المودة ويسبب الضغينة.

وبينما هو يستعرض شريط نضاله فينسب كل نجاحاته وتوفيقه لله وحده: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}. وفي الوقت ذاته يعزو مؤامرة إخوته بالتخلص منه ورميه في البئر لنزغات الشيطان، ليسمو بنفسه ويحررها من المشاعر السلبية التي قد تعوق رسالته وتؤخر هدفه النبيل. وهو بعد ذلك يدعو ربه أن يلحقه بالصالحين في الجنة!.

ولا عجب حين تظهر المكافأة الربانية لتلك التقوى وذلك الصبر، وهذا التواضع جلية في الآية الكريمة: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا}، ولم تكن خاصية هذا السجود إلا للنبي يوسف عليه السلام، وهو مقتضى العدالة الربانية التي يثق فيها كل امرئ يؤمن بالإنصاف الإلهي والتوازن الطبيعي لمن تواضع فرفعه ربه وسجد الناس بين يديه.

rogaia143@hotmail.com

Twitter @rogaia_hwoiriny

مقالات أخرى للكاتب