عليك مِنّي سلام الله ما صدحتْ
على غصون أراكِ الدوح ورقاها
هكذا هي الحياة لا سرور يدوم ولا حزن يدوم؛ اجتماع يعقبه فرقةٌ وما أقساها وأمرها من فرقة لا سيما إن كانت أبدية من أقارب وأصحاب، فقد فجعنا برحيل شقيقتي هيا أم الدكتور محمد العقيلي -رحمها الله- مساء يوم الأربعاء 2-11-1446هـ، بعد معاناة طويلة مع المرض، وتمت الصلاة عليها بعد صلاة عصر يوم الخميس 3-11-1446هـ بجامع عبدالله المهيني شمال الرياض ثم حمل جثمانها الطاهر حيث وُورِيَ الثرى في مقبرة الشمال في أجواء حزن وأسى على فراقها.
تتابعَ إخوتي وَمضوا لأمرٍ
عليهِ تتابعَ القومُ الخيارُ
ولا شك أن تتابع إخوتي (محمد وعبدالله وناصر وسارة وطرفة ومنيرة وأخيراً هيا) يدك في هضاب القلب وتبقى آثاره في شعاب النفس مدى العمر كيف لا وقد ترعرعنا سوياً بين أحضان والدينا في جو تسوده الألفة والمحبة والعطف رحمهم الله جميعاً.
يا حبذا أزمُنٌ في ظلّهم سلفت
ما كان أقصرها عمرًا وأحلاها
أوقاتُ أُنسٍ قضيناها فما ذُكِرت
إلا وقطع قلبُ الصَّبِ ذكراها
وأرجو من الله أن يمدنا بالصبر واحتساب الأجر وأن يحسن عزاءنا ويجبر مصيبتنا.
ولخير حظك في المصيبة أن
يلقاك عند نزولها الصبرُ
ولقد عانت - رحمها الله - من المرض وملازمة السرير لأكثر من ثماني سنوات محتسبة الأجر والثواب من الله، وكانت محل رعاية زوجها الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله العقيلي - شفاه الله - ورعاية أبنائها وبناتها البررة حيث وفروا لها كل ما تحتاجه من رعاية طبية وكوادر تمريضية في منزلها طيلة تلك السنوات، ولا غرابة في ذلك فهي أمهم الحنون وهم أبناؤها البررة.
وإن تكُ غالتك المنايا وصرفُها
فقد عشت محمودة الخلائق والحلم
وقد نشأت في بيت علم وأدب عند والدنا الشيخ العالم الجليل عبدالرحمن بن محمد الخريف ووالدتنا الغالية لطيفة بنت عبدالرحمن العمراني رحمهم الله جميعاً. وكانت رحمها الله امرأة صالحة عابدة حفظت القران الكريم وبعض الأحاديث النبوية، حيث درست القرآن الكريم مع شقيقتي الأخرى منيرة والدة عبدالعزيز بن إبراهيم القضيب عند معلمة القرآن (طرفة بنت العم محمد الخريف والدة عبدالعزيز الحرقان) رحمهم الله جميعاً. وكانت تحرص مع زوجها على دعوة الأقارب في مواسم الأعياد، والمناسبات الأخرى.. وهي محبة للخير عطوفة على المساكين، ندية الكف للقريب والبعيد تمنح الأطفال بسخاء محبوبة لدى أقاربها ومعارفها، وخير معين لزوجها.
وَجهٌ عَليهِ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةٌ
وَمَحبَّةٌ تَجرِي مَعَ الَأنفَاسِ
وَإذَا أَحَبَّ اللهُ يَوماً عَبدَهُ
أَلقَى عَليهِ مَحَبَّةً في النَّاسِ
وكنت كلما أزورها وهي على سرير المرض أحاول إدخال السرور عليها وذلك بذكر بعض ذكرياتنا أيام الطفولة وما فيها من برآءة وسعادة فتبتهج أسارير وجهها وتنظر إلى نظرة الأخت الحنونة المحبة لأخيها، وفي زيارتي الأخيرة لها وقبل توديعها طبعت على جبينها قبلة ولعلها كانت قبلة الوداع، ولسان الحال يقول قول الشاعر:
خُذا الزاد يا عيني من نور وجهها
فما لكما فيه سوى اليوم منظرا
وقد أجاد الشاعر الآخر في وصف لوعات الفراق والحزن العميق الذي يعتْصِر مُهَج القلب عند رحيل غالٍ وتوديعه أبدياً حيث يقول:
فلست بمالك عبرات عينٍ
أبت بدموعها إلا انهمالا
ولقد خلفت ذرية صالحة بنين وبنات وقامت بتربيتهم مع زوجها أبي محمد تربية صالحة كان لها الأثر بعد الله تعالى في أخلاقهم العالية وأدبهم الجم الرفيع.
كان الله في عون أبنائها: الدكتور محمد والدكتور عبدالقادر والأستاذ بندر وكريماتها وأحفادها بعد رجوعهم إلى بيتها وقد خلت منه ولسان حال كل واحد منهم يردد في نفسه هذا البيت:
يَعِزُّ عَلَيَّ حينَ أُديرُ عَيني
أُفَتِّشُ في مَكانِكَ لا أَراكا
أنزل الله السكينة والصبر عليهم وعلى زوجها أبي محمد - شفاه الله، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
لكل اجتماع من خليلين فرقة
ولو بينهم قد طاب عيش ومشرب
وكأني بزوجها حينما يقال له إن أم محمد رحلت عنك فاصبر، وهذه سنة الله في خلقه، فيجيب بهذا البيت:
بلى، إن هذا الدهرُ قد فرق بيننـا
وأي جمعٍ لا يُفرقه الدهرُ
ولئن غابت عنا شقيقتي هيا فإن ذكرها يظل باقياً في طوايا النفس مدى الأيام تغمدها الله بواسع رحمته وأسكنها عالي الجنان وألهمنا وأبنائها وبناتها وزوجها ومحبيها الصبر والسلوان.
تولت وأبقت بيننا طيب ذكرها
كباقي ضياء الشمس حين تغيب
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف