بريدة - خاص بـ"الجزيرة":
أكدت دراسة علمية أن الراجح عند مذهب الجمهور أن الأضحية سنة مؤكدة؛ وأنه لا ينبغي للقادر أن يدعها ولا سيما مع تيسّر أنواعٍ منها بثمنٍ مقدور عليه، (فاتقوا الله ما استطعتم)، ولو بأدنى المجزئ، أو بالاشتراك، أو في غير بلده إن كان أيسر، ومن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن.
وأظهرت الدراسة العلمية المعنونة بـ «المختصر في الأضحية أحكام وسنن» للباحث الأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن اليحيى أستاذ الفقه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة القصيم، أن الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) تقربًا إلى الله تعالى في وقت مخصوص بنية خاصة، وأن الأصل في مشروعية الأضحية الكتاب والسنة والإجماع، كما أن للفقهاء قولين مشهورين في حكمها بعد اتفاقهم على أصل المشروعية.
وكشفت الدراسة جواز الاشتراك في التضحية بالبدنة والبقرة سبعة، واجبًا كان أو تطوعًا، سواء كانوا كلهم متقربين، أو يريد بعضهم القربة وبعضهم اللحم، والاشتراك ثابت بالسنة الصحيحة، وإنما هو محصور في الإبل والبقر دون الغنم، مشيرة إلى أن أفضل الأضاحي أن يضحي بناقة كاملة ثم ببقرة كاملة ثم بشاة ثم سبع بدنة ناقة أو بقرة، ومعنى قولهم: وتجزئ الشاة عن الواحد وأهل بيته وعياله، أنها كافية في تحقيق السنة ولكن من كان قادراً من أهل البيت ورغب في أضحية مستقلة فلا خلاف في مشروعية ذلك، وأنه تجب الأضحية، وتتعين بالقول (أن يقول: هذه أضحية أو هي أضحية)، وعند بعض الفقهاء بالنية.
وأبانت الدراسة البحثية أن من شروط الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ويدخل في كل جنس نوعه، ومن شروطها بلوغها السن المشروعة، وهي ستة أشهر في الضأن، وفي المعز سنة، وفي البقر سنتان، وفي الإبل خمس سنين، ومما ينبه عليه: أن بعض الباعة قد لا يذكر السن الصحيحة لما يبيع من البهائم، إما لجهله، أو لعدم دقة معلوماته، أو لضعف في ديانته أو أمانته، وربما يقول بعضهم: إن هذا يضحي، وهو لا يعرف شروط الأضحية، ولا الفروق بين السن في الضأن والمعز ولا بين السن المجزئة في الإبل والبقر، فعلى المسلم أن يحتاط لأضحيته فإن كان لا يعرف السن بالنظر إلى البهيمة فعليه أن يسأل خبيراً بذلك إلا أن يكون واثقاً من البائع أو غلب على ظنه صدقه، كما أن من شروط الأضحية السلامة من العيوب، فلا تجزئ البهيمة العرجاء التي اشتد عرجها، ولا العوراء أو العمياء، ولا المريضة مرضًا ظاهرًا ولا الهزيلة.
وعلة المنع في هذه العيوب مركبة من كل ما يؤثر على طيب اللحم ومن كل ما يؤثر على كمال الخلقة وجمالها؛ فكمال الأضحية وجمالها مقصود للشارع.
وأوضحت الدراسة إلى أن هناك بعض العيوب المختلف فيها فينبغي للمسلم اجتنابها، كقطع الأذن وانكسار القرن ولا سيما قطع أكثر من النصف فيهما، وتجزئ الجماء التي لم يخلق لها قرن، والصمعاء (صغيرة الأذن)، والبتراء (لا ذنب لها) سواء كان خلقة أو مقطوعًا، وكذلك يجزئ الخصيّ.
ومن الشروط: وقوع الذبح في الوقت، فإذا مضى من نهار يوم العيد قدر تحل فيه الصلاة، وقدر الصلاة والخطبتين تامتين في أخف ما يكون، فقد دخل وقت الذبح، ولا يعتبر نفس الصلاة، لا فرق في هذا بين أهل المدن وغيرهم، وينتهي وقت الذبح عند الجمهور بغروب الشمس يوم الثاني عشر من ذي الحجة، وعند الشافعية ورواية عن أحمد بغروب الشمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة وعليه الفتوى عند مشايخنا، وذبح الأضحية في النهار مشروع وأما في الليل فالجمهور على جوازه مع الكراهة، كما أن من شروط من يذبح الأضحية أن يكـون عـاقلاً مميّزاً، رجـلاً كـان أو امـرأة، وأن يكون مسلماً أو كتابياً، ولا يشترط السؤال عمن يتولى الذبح عن صحة إسلامه فالأصل في المسلم صحة إسلامه وإجزاء ذبيحته، ولا ينبغي التكلف فوق ذلك، ويكفي في الكتابي الانتساب فمن انتسب إليهم ولم يخرجه أهل دينه من دينهم فتطبق عليه أحكام أهل الكتاب، وأكمل ما يكون الذبح بقطع أربعة أشياء: الودجين (الوريد والشريان في الرقبة)، والمريء والحلق، وللفقهاء خلاف فيما دون ذلك.
ويرى جمهور الفقهاء على أن التسمية شرط وتسقط بالنسيان، ومن شروط الذبح أن تكون الآلة حادّة لا تعذّب البهيمة، كما أن من سنن الأضحية أن تكون على الصفة الأكمل والأجمل فيستحب أن يكون كبشاً (ذكراً) لا أنثى، وأن يكون ذا قرنين، وأن يكون أملح، وهو الأبيض الخالص البياض، وإن كانت لون قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود فهو أفضل.
وأكدت الدراسة البحثية على أن الأفضل أن يذبح المسلم أضحيته بيده فإن لم يتيسّر استحب له أن يحضر ذبحها، ومن سنن الأضحية أن يضجع البقرة أو الشاة، وأن يضع رجله على رقبتها لئلا تتحرّك، وأما الإبل فالمستحب نحرها قياماً مقيدة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها، كما أن من السنن استقبال القبلة فقد نصت عليه المذاهب الأربعة وثبت عن ابن عمر - رضي الله عنهما - كراهة ما ذبح لغير القبلة، ومن سنن الأضحية أن يقول عند الذبح بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبل مني، أو من فلان، ويستحب للمسلم أن يأكل من أضحيته إن تيسر له ذلك، وبه يبدأ أول ما يأكل، كما يستحب تقسيم لحم الأضحية أثلاثاً فيأكل الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الأضحية في غير البلد تنتظم عدة صور وحين يتحدث الفقهاء عن مكان الأضحية فيقصدون موضع المضحي سواء كان بلده أو موضعه من السفر، وأن تعدد الأضحية مشروع لمن أراد وحسنت نيته؛ ودلالة العمومات في القربات والاستكثار منها تشمله، وهكذا العمومات في الأضحية، ومن ضحى في بلده، ثم أراد أن يتزوّد بذبح أضحية أو أكثر في بلد آخر فهو مشروع، كما أن نقل الأضحية مسألة أخرى ليست هي صورة المسألة المعروفة الآن بالتبرع بأضحية في إحدى البلدان الفقيرة، ومن له أضحية وحيدة فالأصل هو التضحية في البلد حيث تتحقق الشعيرة بجميع فضائلها، وإنما يقع التفاضل عند الموازنة بينها وبين اعتبارات أخرى قد ترجّح الخيار الآخر في بعض الأحوال وبعض الأزمان أو لبعض الناس، وهذا شأن الفضائل؛ إذ لا ينبغي الإطلاق في كثير منها.
وأفادت الدراسة بأن مسألة الإمساك عن الشعر والظفر لمن أراد الأضحية مسألة اجتهادية يسع الخلاف فيها، وقد قال بكل قول فيها أئمة كبار، تكلم بعض أئمة الحديث في الاختلاف في رفع حديث أم سلمة - رضي الله عنها - ووقفه، ومعنى الحديث الظاهر هو الإمساك لمن أراد الأضحية إذا دخلت العشر؛ وذكر بعض العلماء معاني أخرى منها: أن المقصود به من حين شراء الأضحية فلا يشمل الحكم من كان ناويًا حتى يشتري، ومنها أن المقصود به من كانت عنده أضحية فدخلت عليه العشر دون من كان مريدًا بعد ذلك، وبكل حال فإن الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد الأضحية لا يؤثر عليها باتفاق الفقهاء فمن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعًا، سواء فعله عمدًا أو نسيانًا.