الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الله سبحانه وتعالى ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علم وجهله من جهل، والله عز وجل جعل فيما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة - العلاج لجميع ما يشكو منه الناس من أمراض حسية ومعنوية، قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}. وهذا يعم الأمراض الحسية والمعنوية.
«الجزيرة» التقت عدداُ من أصحاب الفضيلة المتخصصين في العلوم الشرعية، ليتحدثوا عن الطرق الشرعية للاستشفاء من هذه الأمراض؛ فماذا قالوا؟
خمس طرق
يرى الدكتور سليمان بن محمد النجران، الأستاذ بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم أن هناك خمسة طرق شرعية للاستشفاء من الأمراض الحسية والمعنوية:
1- الرقية: وهي أن يمزج أثراً مادياً، مع شيء من القرآن أو الذكر والأدعية الشرعية، ويجعلها على المريض، ولها طرق كثيرة: بعضها مروي عنه عليه الصلاة والسلام صحيح ثابت، وبعضها واردة عن السلف، وطرق لا أصل لها، فيجب تحري الصحيح من الرقية، لكثرة ما داخلها من الأمور المخترعة.
2- التوسل بالعمل الصالح: بأن يجعل المريض عملاً صالحاً يستشفي به من المرض: كالتوبة من المعاصي، أو كثرة نوافل الطاعات من الصلاة والصيام والصدقات والعمرة والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان للخلق عموما من الإنسان والحيوان، فهذا باب واسع للاستشفاء، وأعظمه الجمع بين التوبة من المعاصي والتزود بالطاعات والنوافل الكثيرة.
3- الدعاء: ويقدم قبله كثرة الثناء عليه سبحانه وتعالى، وهذا سبب فاعل للاستشفاء بإذن الله؛ فكم شفى الله بالدعاء المرضى، وأنقذ الهلكى، ونفس عن المكروبين، ويسر على المعسرين، وأذهب الأسقام والأوجاع عن المصابين.
4 - أخذ الأثر: بأن يأخذ من العائن للمعيون، وهذا خاص بالعين.
5 - التداوي بالمباحات: وهو ما عليه أهل الطب.
وأقواها:الجمع بينها بأن يجعل الأولى الأصل، والخامس المباحات تبعاً لها؛ لأن ملاكها الذي يجب يستصحبه المريض فيها كلها:قوة التوكل على الله، وحسن الظن به، فمتى ارتبط القلب بالله، وأيقن أنه النافع الضار وحده، وأن هذه مجرد أسباب، أثر الدواء أثرا بعيداً قوياً في النفس والقلب والبدن زائداً على أثره المادي القريب، ومتى ضعف القلب عن التوكل، فتعلق بذات الدواء: لم يحصل له إلا أثره المادي القريب.
العلاج ليس تجربة
ويقول الدكتور صالح بن عبدالعزيز الغليقة أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: عندما يصاب المرء بمرض حسي أو معنوي، ويريد أن يسلك العلاج بالكتاب والسنة فعليه فعل ما يأتي:
1 - الإيمان ببركة الكتاب والسنة، وأن الله أودع فيهما من الشفاء ما يوفق له بعض الناس.
2- أن لا يكون استعماله العلاج بالكتاب والسنة مجرد تجربة، وإنما يصاحب فعله اليقين بأن فيهما الشفاء والنفع .
3 - أن يحرص المريض على أن يَرْقِي نفسه بنفسه.
4 - إذا عجز المريض عن أن يرقي نفسه، رقاه من يثق بصدقه وصلاحه.
ويدل على الأمر الثالث والرابع حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللّه عنها أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ إذا اشتَكى يقرأُ في نفسِهِ بالمعوِّذاتِ وينفُثُ، فلمَّا اشتدَّ وجعُهُ كنتُ أقرَأُ عليْهِ وأمسَحُ عليْهِ بيدِهِ رجاءَ برَكتِها» رواه البخاريّ في الصحيح.
5 - أن العلاج بالكتاب والسنة دعاء، والمشروع للداعي ألا يستعجل الإجابة، ومثله الراقي يستمر في الرقية حتى يأذن الله له بالشفاء.
الأخذ بالأسباب
ويشير الدكتور علي بن عبدالرحمن القرعاوي أستاذ العقيدة في كلية الشريعة بجامعة القصيم، إلى أنه ينبغي على من يصاب بالمرض والبلاء أن يعلم أموراً منها:
أولاً: على المريض أن يوقن أن المرض والابتلاء من الله تعالى وأن ماقدره الله وقضاه كائن.
ثانياً: عليه أن يوقن أن كمال التوكل على الله أن يعتمد على الله سبحانه مع الأخذ بالأسباب المشروعة من التداوي بالعلاج المباح والرقية الشرعية.
ثالثاً: أن يرغب المريض بالرضى والصبر وهذا مما يقوي إيمانه بالله ويقوي المناعة لديه وفي الحديث (عجباً لأمر المؤمن إن أصابته سراء فصبر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له).
رابعاً: أن يذكر المريض أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه؛ فقد يكون الخير له هو بإصابته بهذا المرض فالعبد قد تكون له المنزلة عند الله تعالى لا يبلغها بكثير من عمله وإنما يبلغها بهذا المرض والابتلاء، وقد يكون المرض سبباً لمحو ذنوبه وسيئاته كما دلت على ذلك الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، ومنها سؤال الله تعالى العافية ودعاؤه بصدق وإخلاص أن يشفي ويعافي كما في دعاء الخليل عليه الصلاة والسلام {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سل الله العافية).