الأندية الرياضية لم تعد مجرد كيانات تهدف للفوز بالألقاب الذهبية والمنجزات الكبيرة وتقديم عروض ممتعة للجماهير الرياضية، فقد تحولت معظم الأندية إلى مؤسسات اجتماعية واقتصادية ضخمة بعضها يمتلك تأثيراً هائلاً يتجاوز حدود الملعب، ومن هذا المنطلق برز مفهوم المسؤولية الاجتماعية للأندية الرياضية كدور محوري وأساسي في تعريف بهوية النادي الرياضي وقيمته الحقيقية في المجتمع.
وتُعرف المسؤولية الاجتماعية الرياضية بأنها التزام النادي بتبني سياسات وإطلاق مبادرات طوعيه تساهم في تحقيق التنمية المستدامة في القطاع الرياضي وتحسين جودة الحياة في المجتمع المحيط مع مراعاة الجوانب الأخلاقية والبيئية والاجتماعية في جميع أنشطته، بل اعترافاً بأن قوة النادي وشهرته تحملان مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع الذي يدعمه.
طبعاً للمسؤولية الاجتماعية الفاعلة في الأندية الرياضية وضمن أنشطتها المجتمعية المهمة مجالات مثل: الصحة والرفاهية.. أي تشجيع ممارسة الرياضة للجميع عبر أنشطة متنوعة تسهم في تنوير المجتمع بأهمية الرياضة وارتباطها بالصحة عامة، وأيضاً تنظيم الزيارات الإنسانية للمرضى خاصة الأطفال في المستشفيات بزيارات اللاعبين لهم، وكذلك في مجال التعليم وتنمية الشباب بالقيام بالتوعية بمخاطر المخدرات والتدخين والعنف والتطرف والتسرّب من التعليم ... إلخ، والاستفادة من سفراء النادي (اللاعبين البارزين) لنشر رسائل تعليمية وقيم إيجابية، ومن المجالات أيضاً الاندماج الاجتماعي ومكافحة العنصرية أي تعزيز قيم التسامح والاحترام والمساواة بين الجنسين ومحاربة العنصرية والكراهية بكافة أشكالها داخل الملعب وخارجه. وأيضاً حماية البيئة من خلال تنظيم حملات نظافة وتشجير والتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة التي تشكّل ركيزة أساسية في التنمية المستدامة، أيضاً دعم أبناء النادي المعتزلين في محنتهم الصحية وأزماتهم المرضية.. وغيرها من المجالات الحيوية التي تخدم البناء الاجتماعي والرياضي في المجتمع. وبالمقابل لا بد أن نعرج إلى الدور المهم للمسؤولية الاجتماعية في الأندية الرياضية وما تقدمه للنادي الذي يكرّس هذا المفهوم الحضاري ضمن أنشطته الاجتماعية ومنها أنها تسهم في تعزيز الولاء الجماهيري ومعروف عندما يشعر المشجعين أن ناديهم جزء فاعل ومحرك إيجابي في المجتمع يزداد ارتباطهم العاطفي وولاؤهم، ويتحولون إلى سفراء له.. أيضاً تلعب دوراً مهماً في جذب الرعاء والشركاء ومعروف عند معظم الأندية الأوروبية التي تكرِّس هذا المفهوم ضمن أنشطتها.. نجد أن الشركات الكبرى تفضل التعاون مع الأندية التي تتبنى قيماً اجتماعيةً ومبادئ أخلاقية.. مما يفتح أبواب رعاية واستثمارات جديدة لتلك الأندية الرياضية. لذا نجد أن المسؤولية الاجتماعية أصبحت معياراً عالمياً يُقاس به نجاح المؤسسات الرياضية واستدامتها. ولم تعد ترفاً أو نشاطاً ثانوياً للأندية الرياضية، بل هو استثمار إستراتيجي في مستقبل النادي.
والأكيد أن مسؤولية الأندية الرياضية تتجاوز حدود الملاعب الكروية والنتائج المؤقتة لتمتد إلى رعاية من صنعوا أمجادها وبنوا منجزاتها، وبالطبع يشكل دعم اللاعبين المعتزلين القدماء الذين يعانون من ظروف صحية ومعيشية.. اختباراً حقيقياً لإنسانية النادي ووفائه لتاريخه وهو بعُد أساسي وغالباً يغُفل في إستراتيجيات المسؤولية الاجتماعية، ولعل من الأمور التي (حفّزتني) لتناول هذا المقال الموضوعي عندما زرت قبل أيام كابتن فريق الرياض في عصره الذهبي الخلوق جداً صالح النجراني -شفاه الله- في المستشفى لظروفه الصحية وكان بحاجة في الواقع للدعم النفسي والعاطفي والاجتماعي في ظل أوضاعه المرضية التي يمر بها وتمنيت لو قامت (إدارة المسؤولية الاجتماعية) بالنادي بزيارته وتفقد أحواله ومساندته في أزمته الصحية، خاصة وأن الكابتن صالح يعد من نجوم العصر الذهبي في تاريخ مدرسة الوسطى وصانع أمجادها الذهبية، ولكن يبدو أن مهام هذه الإدارة لا يتجاوز حدود مقر النادي بضاحية لبن..!
** **
سلطان الدوس - أمين عام نادي الرياض - سابقاً