تخوض المملكة العربية السعودية تحولاً مؤسسياً عميقاً، يتجاوز تحديث الهياكل إلى إعادة صياغة المفاهيم القانونية والتنظيمية، في إطار رؤية 2030 التي تتطلب مرونة في الإنجاز ودقة في الحوكمة. برزت ثلاث أدوات تنظيمية تحكم البنية التشريعية والإدارية: النظام، والتنظيم، والترتيبات التنظيمية، كلٌّ يحمل دلالة وظيفية وهيكلية مميزة، تُمكن الدولة من تحقيق أهدافها برشاقة ونضج.
فالنظام هو الوثيقة التشريعية الأعلى في التدرج القانوني السعودي، ويصدر بمرسوم ملكي بعد دورة إجرائية كاملة تبدأ -عادة- بإعداده من جهة حكومية، ثم دراسته في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ثم إحالته إلى مجلس الشورى لمناقشته بندًا بندًا، ثم رفعه إلى مجلس الوزراء لإقراره، ليصدر باسم الملك، وفق المادة 70 من النظام الأساسي للحكم (1412هـ/1992م). هذه الصيغة تجعله ملزمًا وعامًا، لكنه يحتاج وقتًا طويلاً، مما يجعله غير ملائم للتأسيس العاجل أو الهيكلة السريعة. على سبيل المثال نظام مجلس الوزراء (1373هـ/1953م) -هو الأقدم بين الأنظمة الرسمية الموثقة. لا توجد أنظمة أخرى موثقة تسبقه بهذا الشكل القانوني - كان حجر الزاوية في المنظومة القانونية، نظّم علاقة الملك بالوزراء وأرسى قواعد العمل المؤسسي. حديثًا، نظام الشركات (1443هـ/2022م) يدعم بيئة الأعمال، مُعززًا رؤية 2030.
التنظيم، في المقابل، وثيقة قانونية ملزمة تُصدر بقرار من مجلس الوزراء دون مناقشة مجلس الشورى، وتُعنى بتأسيس جهاز حكومي أو تحديد اختصاصاته أو إعادة تنظيمه. يستند إلى صلاحيات مجلس الوزراء بموجب الفقرة (2) من المادة 24 من نظام مجلس الوزراء (1414هـ/1993م)، التي تمنحه سلطة إدارة المصالح العامة. تنظيم الهيئة العامة للاستثمار (1421هـ/2000م) كان مثالًا مبكرًا بارزًا، مهد لجذب الاستثمارات، وتحولت الهيئة إلى وزارة الاستثمار (1441هـ/2020م) لدعم رؤية 2030. أمثلة حديثة تشمل تنظيم هيئة الترفيه (1437هـ/2016م) لإطلاق فعاليات مثل «موسم الرياض»، وتنظيم هيئة الزكاة والضريبة والجمارك (1442هـ/2021م) لتعزيز الكفاءة المالية. التنظيم يُصدر لتحقيق مصلحة عامة بسرعة، دون المرور بالدورة التشريعية التقليدية.
الفارق في أداة الإصدار يعكس تمايزًا دستوريًا بين النظام والتنظيم؛ فالأنظمة تُبلغ باسم الملك مباشرة، بينما التنظيمات تُعلن بقرار من رئيس مجلس الوزراء أو نائبه. هذا التباين يُبرز تدرجًا في القوة القانونية، له أثر في حجية الوثيقة ومرجعيتها. لكن التنظيم يظل أداة نافذة، تُصدرها السلطة التنفيذية ضمن صلاحياتها دون تجاوز للسلطة التشريعية.
أما الترتيبات التنظيمية، فهي أداة مرنة ومؤقتة، تمنح جهات جديدة صلاحيات أولية قبل صدور تنظيم دائم، خاصة عندما تكون الدراسات القانونية قيد الإعداد. ترتيبات هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة (1436هـ/2015م) كانت مثالًا مبكرًا – قد تكون أول ترتيبات تنظيمية في السعودية -، دعمت برامج توظيف مثل «هدف»، وتحولت لاحقًا إلى برامج تابعة لوزارة الموارد البشرية. حديثًا، ترتيبات هيئة الثقافة (1439هـ/2018م) مهدت لتنظيم فعاليات ثقافية. هذه الترتيبات تُمكن الدولة من إطلاق مبادرات سريعة مع الحفاظ على المسار القانوني.
استخدام التنظيمات، بعيدًا عن مجلس الشورى، يُجسد الحوكمة الرشيقة، خاصة مع التباطؤ الذي قد يشهده المسار التشريعي التقليدي، أو صعوبة التوافق أحيانًا بين مجلسي الوزراء والشورى. يستند هذا النهج إلى المادة 56 من النظام الأساسي للحكم، التي تمنح مجلس الوزراء صلاحية - تنظيم - الأجهزة الحكومية، مما يُتيح تجاوز حلقات التشريع الطويلة دون الإخلال بالشرعية.
(النظام، التنظيم، والترتيبات التنظيمية) تشكل ثلاثية قانونية متكاملة، تتدرج من الأداة التشريعية العليا إلى الوسيلة المؤقتة المرنة. هذا التنوع منح المملكة قدرة على تأسيس جهات حكومية وإعادة هيكلة كيانات بكفاءة، محققًا أهداف رؤية 2030 بتوازن بين السرعة والشرعية.
** **
- أحمد الفاضل