في لحظة يختلط فيها الحزن بالفخر، ودّع الوطن واحدًا من أبنائه المخلصين وأعلامه التربويين، الدكتور عبد العزيز بن علي العقلا -رحمه الله- الذي رحل بعد مسيرة طويلة من الإسهام العلمي والتربوي والإنساني، تاركا خلفه إرثا خالدًا من العطاء المتنوع، وسيرة عطرة ستظل حاضرة في ذاكرة الوطن، فقد كان شخصية ملهمة جمعت بين الهيبة والبشاشة والتواضع، في ظل الحضور الإنساني البارز في العمل الخيري والاجتماعي، مع مسيرة تعليمية حافلة بالعطاء والإبداع.
لم يكن الدكتور عبد العزيز بن علي العقلا - رحمة الله تغشاه - مجرد شقيق لي فحسب، ولم أفقده أنا وحدي، ولم تفقده أسرته دون غيرها، ولم تفقده مكة فحسب، بل فقده الجميع، وفقده الوطن الذي كان أحد أعلامه البارزين، فقد كان فقده عظيمًا كما كان رحيله موجعًا، ولكن حسبه أنه غادر هذه الحياة بعد سيرة حياة حافلة بالعمل والإنجاز والبذل والتفاني في خدمة الوطن.
فلم يكن الدكتور عبد العزيز بن علي العقلا مجرد أكاديمي في تخصص طرق تدريس الرياضيات، بل كان قامة تربوية رفيعة، ورائدا في مجاله، حمل رسالة التعليم بإيمان عميق ومسؤولية صادقة أمن -رحمه الله- بأن التعليم هو حجر الأساس في بناء الإنسان وصناعة النهضة، فكرس حياته في إعداد أجيال من الطلاب، وسعى لتطوير المناهج والأساليب التربوية بما يواكب تطلعات الوطن.
وعلى مدى سنوات عمله شغل -رحمه الله- عددًا من المناصب التعليمية والإدارية، وتميز في كل موقع تولاه بالجدية والانضباط والرؤية التطويرية الواضحة، وكان حريصا على أن تكون قاعات الدرس منابر للعلم والتفكير، لا مجرد أماكن لتلقين المعلومات، فابتكر الأساليب، وشجع البحث والاستقصاء، وغرس في طلابه قيم الإتقان والانضباط وحب المعرفة.
ولم يكن عطاؤه محصورا في التعليم، بل امتد إلى ميادين العمل الخيري والاجتماعي. فقد كان سبّاقًا إلى خدمة الناس، قريبًا من حاجاتهم، سخي اليد والروح يمد العون لكل محتاج بصمت وتواضع لم يعرف يوما معنى التردد في فعل الخير، فكان حضوره في المبادرات الخيرية والمشاريع المجتمعية علامة فارقة، وإسهاماته فيها شاهدة على إنسانيته النبيلة.
جمع الدكتور عبد العزيز بين قوة الشخصية ورقة القلب، وبين الحزم في العمل والبشاشة في التعامل، وكان محبوبًا من زملائه وطلابه وكل من عرفه، تكسوه ابتسامة دائمة، ويزينه تواضع جم، وهي صفات أكسبته احترام الجميع وثقتهم.
إن رحيله يعد خسارة فادحة للأسرة التعليمية في الوطن وللمجتمع السعودي عمومًا، إذ كان من الكفاءات الوطنية التي أسهمت في مسيرة النهضة التعليمية التي تعيشها بلادنا في ظل القيادة الرشيدة. لقد كان يؤمن أن نهضة الأمم تبدأ من المدرسة وأن المعلم هو صانع التغيير، فسعى جاهدًا لأن يكون قدوة وملهما في هذا الطريق.
ورغم ألم الفقد، فإن ما يخفف الحزن أن إرثه من العلم والخير سيبقى ممتدا وسيرته العطرة ستظل حاضرة في القلوب. فقد ترك بصمات واضحة في مشاريع تعليمية وخيرية ستواصل خدمة المجتمع لأجيال قادمة، رحم الله الدكتور عبد العزيز بن علي العقلا، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن علمه وعطائه خير الجزاء.
ولأسرته الكريمة التي أثقلها رحيله عن هذه الدنيا أقول لكم أن تفخروا بأنكم من أهل هذا الرجل العظيم، فقد عاش للعلم والعمل، ورحل تاركا سيرة تليق بأن تروى للأجيال وبصمة تبقى في سجل التاريخ، وذكرى لا تمحوها الأيام ومغادرته لهذه الحياة ليست النهاية، بل إنه قد انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، رحل والدعوات الصالحة تحيط به رحل وآثاره الكريمة شاهدة على ما قدمه لمكة ومدارسها وجامعتها وبلاده والوطن بشكل عام.
** **
- بقلم: أ. د. محمد بن علي العقلا