“الروح لا تبلغ حقيقتها إلا من خلال الصراع.”
“أشعر أن كل شيء ينهار”؛ مقولة قد تسمعها من أحدهم كردة فعل لنقد سمعه. وهنا تأتي الدهشة لتشكّل سمة الحدث، إذ إن هذا النقد، الذي ربما لم يكن مباشرًا، ولا صحيحًا، ولا منطقيًا حتى، إلا أنه - ورغم ضبابية الواقعة – قد صنع شرخًا كبيرًا في نفس المتلقي، وهزيمة نفسية كبرى في ذلك الكيان. وتعددت الحالات لتتعدى الحالة الفردية، وبهذا يرتد الاندهاش على نفسه.
ما الذي يجعل جيلًا يملك كل أدوات الوصول إلى المعرفة، ويعيش في أكثر العصور توافرًا للمعلومة، ويملك الحياة ضمن أزمنة متعددة، ولديه أكبر ترسانة من ممكنات الوعي، أكثر قابلية للانكسار؟
الجواب ربما يبدأ من طريقة تعاطيهم مع المجتمع، وتعاطي المجتمع معهم، من خلال التقصير في شرح واقعهم خوفًا عليهم، والتقليل من فرص الأعداء، والدعاية الموهومة لكل نشاط يقومون به؛ ليس لشيء، بل ليقول المحيط بما فيه: «أنت مصيب، وغيرك مخطئ»، «وأنت القوي، وغيرك ضعيف». فأصبح التشجيع يأخذ مسارًا مختلفًا عما يُفترض به أن يسير، وكرّس في نفوسهم أن النقد لا مجال له، وأن من يقدح في عملك أو نشاطك ليس سوى حاقد، أو حاسد، أو جاهل. فتربّى جيل من قطن، محجوب عنه الألم، والخطأ، والخذلان، والرفض. وتناسى من شكّل ذلك الحاجز أن هذه كلها ليست سوى عوامل بناء، وأن الرأي الآخر - بجميع بواعثه – ليس إلا مادة للبقاء، وأداة للعيش، وقيمة أصيلة في صياغة شخصية قادرة على الصمود أمام الهشاشة التي نشكوها.
التصلّب والنمو حصيلة معطيات تبدأ مع الطفل، وتستمر معه حتى آخر يوم في حياته. وطيلة تلك المدة، تنطلق رحلة الشكر للأسئلة الصعبة، والمواقف المحرجة، والخيبات، والنقد، ومرارة الرفض، ونسف المنجز، وإنجاز الفتّ في عضد الجهود التي سجلتها الأيام.
هشاشة العمق تُنتج عقلًا عاجزًا عن التمييز، متطرفًا في مواقفه، يميل إلى التبسيط المفرط، ويبحث عن الراحة لا الحقيقة، وعن التأكيد لا التصحيح، وعن الانتماء لا الفهم.
لا زلنا نملك الوقت لتصحيح ما يمكن إصلاحه، وتنميط الصمود في الأعماق الهشة، ولن يتعارض أبدًا مع زرع الثقة، ولكن دون مغالاة وإفراط.
“أنت مبدع، وهذا أجمل، وقد أحسنت، وهذا أحسن، ولديك الكثير من جوانب الإصابة، وربما ما قاله غيرك هو الأصوب.”
النقد الذي تسمعه ليس بالضرورة محاولة إسقاط، بل وجهة نظر تصب في صالحك بطريق أو بآخر؛ وتمكين مصطلح “الاختلاف” بدلًا من “التهديد”، وأن الهزيمة لا تعني النهاية، وأن الفشل ليس نهاية العقل، بل بدايته.
ختامًا.. لنتوقف عن تسطيح العالم أمامهم، ولنعلمهم أن العالم ليس شاشة لمس، بل كتابٌ يُقرأ بصبر، ويُفهم بجهد، ويُبنى بألم. وأن العقول العظيمة لم تُخلق في الراحة، بل صيغت بحرفي التاء والباء.
** **
- رياض عبدالله الحريري