الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكدت دراسة علمية على ضرورة وضع الأنظمة التي تحمي مال الوقف، سواء أكان عقارًا أم منقولًا، فكما أحسَنَ المنظِّمُ السعوديّ صنعًا بوضع نظام الهيئة العامَّة للأوقاف، فلا بُدَّ من وضع نظامِ خاصِّ يمنع الاعتداءَ على الممتلكات الوقفيَّة، ويُشدِّد العقوبة حال وقوع الجريمة من ناظر الوقف أو من العاملين في خدمة الوقف أو إدارته، مناشدة المئظَمَ السعوديّ بضرورة تعديل الأنظمة واللوائح ذات الصلة بالأوقاف بما يُجرِّم أيَّ اعتداءات على المُمتلكات الوقفيَّة، مع إفراد صورٍ للجرائم المرتبطة بالممتلكات الوقفيَّة؛ لتحقيق الردع العام والخاص في المجتمع، ولتصبح جرائم الاعتداء على الممتلكات الوقفيَّة من الجرائم الكبيرة المُخِلَّة بالشرف والأمانة في حقِّ مُرتكبها.
وشددت الدراسة المعنونة بـ«جرائم الاعتداء على الممتلكات الوقفية في الفقه الإسلامي والنظام السعودي» للباحث الدكتور عبدالصبور بن عبدالقوي علي، شددت على ضرورة توسيع عمل الهيئة العامَّة للأوقاف ليشمل الرقابة على أعمال النظَّار الذين يُعيِّنُهم الواقفون، وإتاحة تلقِّي البلاغات والشكاوى من المُستفيدين من الأوقاف وغيرهم بشأن أيِّ اعتداء يقع على الممتلكات الوقفيَّة بأيِّ طريقٍ كان، مع تحديد مُكافأة للإبلاغ عن أيِّ جرائم تقع على المُمتلكات الوقفيَّة مع حماية المُبلِّغ وعدم الكشف عن شخصيته، كما ناشدت الدراسة المنظِّمَ السعوديّ بضرورة تعديل نظام الهيئة العامَّة للأوقاف تضمين عقوبة السجن المشدَّد والغرامة وردِّ الأموال والعقارات التي يقع الاعتداءُ عليها حال وقوع التعدِّي من نُظَّار الوقف أو العاملين في الأوقاف العامَّة أو الخاصَّة، وكذلك إفراد فصل خاصِّ بالتفتيش على المُمتلكات الوقفيَّة، وتعيين المُفتَشين وإعطائهم حقَّ الضبطيَّة القضائية حيال أيِّ جريمة من جرائم الاعتداء على الممتلكات الوقفيَّة؛ من أجل عزيز الرقابة وإحكامها على المُمتلكات الوقفيَّة العامَّة أو الخاصَّة، وطالبت بضرورة مراجعة الأنظمة الخاصَّة بالأوقاف بشكل دوري لتضمن كل صور الأفعال التي تُشكّل جرائمَ تقع على المُمتلكات الوقفيَّة بكل أنواعها.
وأظهرت نتائج الدراسة العلمية على أن الواقع العمليُّ أثبت أنَّ بعض الأملاك والأموال الوقفيَّة تتعرَّض للاعتداء، وربما يرجع السبب في ذلك إلى ضعف وسائل الحماية القانونية لمؤسَّسة الوقف، وبخاصة الحماية الجنائيّة، والتي تعدُّ -بحقِّ- أبرز أنواع الحماية التي يُمكن للمُنظّم أن يُقرِّرها حمايةً للأملاك الوقفيَّة، واتّفقت الشريعة الإسلاميّة والنظام على أنَّ الحماية الجنائيّة المُقرَّرة لأملاك الوقفيَّة وأعيان الوقف الهدفُ منها الحفاظُ على الأملاك الوقفيَّة، وردع أيٍّ شخصٍ تُسوّل له نفسُه الاعتداءَ بأيِّ وجهٍ من الوجوه على هذه الأملاك، وبخاصَّة بعدما أصبحت جرائمُ الاعتداء على الأملاك الوقفيَّة ظاهرةً مُنتشرةً في الآونة الأخيرة، كما اتّفقت الشريعة والنظامُ على أركان جريمة الاعتداء على الأملاك الوقفيَّة المُتمثَّلة في:
الركن الماديّ، وهو السلوك الماديّ المتمثل في انتزاع الوقف خلسةً بالتدليس أو بالغصب، مع ضرورة أن يكون الجاني عالمًا بأنَّ ما يقوم به من اعتداء يقع على أملاك وقفيَّةٍ مَملوكةٍ للآخرين، وأنَّ هذا الاعتداء قُصد منه الأخذُ والحصول على هذه الأملاك وانتزاعها من حيازة مالكها -وهي الدولة أو الأفراد- دون رضاهم.
وأوضحت نتائج الدراسة على اتفاق الشريعة الإسلاميّة والنظامُ على ضرورة توافر الركن المعنويّ للقصد الجنائيّ المُتمثَّل في: العلم والإرادة؛ من أجل اكتمال أركان جريمة الاعتداء على الأملاك الوقفيَّة؛ وذلك بأن يكون الجاني عالمًا أنَّ ما يقوم به من سلوكِ إجراميَّ آثِم يقع على ملكِ وقفيٍّ مَملوك لغيره، وأن تتَّجه إرادة الجاني إلى تحقيق النتيجة التي يسعى إليها من هذا الاعتداء، وهي إخراج حيازة الوقف من مالكه وضمُّه إلى حيازته بنِيَّةِ تملُّكه، وكذلك اتفاق كلُّ من الشريعة والنظامُ على وضع قواعد التجريم التي تهدف إلى منع الاعتداء بأيٍّ صورةٍ على الأملاك الوقفيَّة، وقرَّرت كذلك عقوباتٍ جزائية لمن يَرتكب هذه الجرائم؛ حتى تكون رادعًا لكُلِّ مَنْ يقوم بالاعتداء على الأملاك الوقفيَّة، وأنَّ العقوبات المقرَّرة في الفقه الإسلاميّ لِمَن يَرتكب أيًّا من جرائم الاعتداء على الأملاك الوقفيَّة تخضع في تقديرها لوليِّ الأمر وللقاضي؛ وذلك بالنظر إلى نوع الاعتداء الواقع على هذه الأملاك، وحجم الضرر الواقع على الوقف محلّ الاعتداء، مشيرة إلى أنَّ المُنظّم السعوديَّ لم يُورد النصَّ على عقوبات الاعتداء على الأملاك الوقفيَّة في نظامٍ خاص بها، ولكنَّه قرَّر عقوبات جزائية لكلِّ نوع من أنواع التعدِّي الواقع عليها، وورد النصُّ عليه في القواعد العامَّة للتجريم التي أوردتها الشريعة الإسلاميّة.