فَجِيْعَةُ الأُمَّةِ لَيْسَتْ فِي زَوَالِ الأَشْخَاصِ فَحَسْب، بَلْ فِي انْطِفَاءِ سُرُجِ الهُدَى. الْعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ -وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ- هُمُ الأَمَانُ فِي زَمَنِ الفِتَن، وَالقَوْلُ السَّدِيدُ فِي مُعْتَرَكِ الشُّبُهات. وَمَا مَوْتُ الْعَالِمِ إِلَّا ثُلْمَةٌ فِي جِدَارِ الدِّين، لا يَسُدُّهَا شَيْء. هَذِهِ الخُطْبَةُ الصَّامِتَةُ لِلقُلُوبِ الخَاشِعَة تُعْلِنُ بِأَنَّ مِصْبَاحَاً عَظِيماً قَدْ خَبَا، تاركاً خَلْفَهُ ظِلاً مِنَ الوَجْدِ وَحَسْرَةَ الفِرَاق فِي صُدُورِ المُسْلِمِين، فَلا عَجَبَ أَنْ تَرْثِيَ الأَقلام لِمَنْ كَانَ قَلَمُهُ مِيزَانَ الحَقِّ وَفَصْلَ الخِطَابْ.
رحيلُ عَلَم
في صمتِ الخُطى.. ومحرابٍ خَلا
سقطتْ نجمةٌ
من سَماءِ العِلمِ
تلكَ هي الرِياضُ تُوشَّحُ بالسَواد
والأفقُ يَحملُ أنينَ الفَقد.
يا شيخَ عبدَ العزيز
يا وارثَ المِشكاة
كيفَ لـِـصَوتِكَ أنْ يَغيب؟
كانَت حياتُكَ
نَسجاً من نُور
عُمراً مَمدوداً في رِحَابِ الكِتاب
تَلميذاً نَشأ على يَدِ الكِبار
يَغترفُ مِن حَوضِ التَوحيدِ الصَافي
عَيناهُ أغمضَتْ
لكنَّ البَصيرةَ فُتحتْ
أبصَرتْ مَسالكَ الشَريعةِ الوَاضِحة
فقامَ يُدرِّسُ
ويَفتي
ويَصدحُ خَطيباً
في مِحرابِ «الإمامِ تركي»
وعلى مَنبرِ عَرَفَة
ثلاثونَ عاماً والنداءُ يَمضي
«الحجُ عَرَفَة...»
رَجلٌ أعمى البَصَر
لكنَّه نورٌ لِـلأُمَّةِ
يُبصِرُ حَيثُ تُعمى العُيون
مَنصبُ الإفتاءِ ثِقلٌ.. كانَ حَملَكَ
يا رُبّانَ السَفينةِ في بحرِ الفِتن
تَستَنبِطُ حُكمَ اللهِ
تَرفعُ لِـواءَ السُنةِ بِـثَبَات
وتَرُدُّ الشُبهاتِ بِــوَقارِ العالمِ الرَبّاني.
ما كُنتَ سِوى جُهدٍ مُتواصِل
في خِدمةِ الإسلامِ والمُسلمين
رِئاسَةُ الهَيئةِ
مَجلِسُ كِبارِ العُلماء
فتاوى تُنيرُ الدَربَ.. لا تَميلُ ولا تَخشى
صَوتٌ حَكيمٌ
في أُذنِ الوُلاةِ
نُصحٌ صادِقٌ للأمةِ
بِـلُغَةٍ سَمحَةٍ.. وقَلبٍ مُخلص.
اليومَ..
أُغلِقَت صفحةٌ بَيضاءُ مِن عُمرِ العِلم
يا راحِلاً والروحُ مَكلومة
سَتَبقى آثَارُكَ المَرويةُ.. خُطَباً ودروساً
شَهادَةً لَكَ عِندَ الله
«عالِمٌ جَليلٌ.. أسهمَ بِـجُهودٍ كَبيرة في خِدمةِ العِلمِ والإسلامِ والمُسلمين»
هَذا هو خِتامُ الدِيوَانِ المَلكي
وهَذا هو رِثاءُ القُلوبِ.
رحمةُ اللهِ عليكَ يا شيخَنا
تَغمدَكَ اللهُ بِـجَنّاتِهِ
في مَقعدِ صِدقٍ.. عِندَ مَليكٍ مُقتَدِر.
{إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجِعُونَ}.
** **
يوسف صاحب المليباري الندوي - كلية مدينة العلوم العربية، ولاية كيرالا جنوب الهند.