في زمن تتسارع فيه التحوّلات الدولية، تبقى بعض الزيارات السياسية علامات فارقة تُسجَّل بوصفها لحظات مفصلية يعاد عندها رسم العلاقات وموازين التأثير.
وفي هذا السياق، جاءت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 18 نوفمبر 2025، لتشكّل واحدة من أبرز المحطات السياسية في العقد الأخير.
زيارة لم تُقدَّم فيها المجاملات على الحقائق، ولم تُصنع فيها الصورة على حساب الموقف؛ بل حملت طابعًا استراتيجيًا واضحًا، وأعادت التأكيد على حضور سعودي متصاعد في ملفات الاقتصاد والأمن والسياسة الدولية.
حضور يتجاوز البروتوكول
منذ لحظة الوصول، بدا أن واشنطن تتعامل مع ضيفٍ ليس كسائر الضيوف.
جنرالات، وزراء، ومسؤولون من الصف الأول كانوا في مقدمة المستقبلين، في مشهد عكس حجم الدور الذي باتت تلعبه الرياض في إعادة تشكيل ملامح النظام الدولي.
الاستقبال الحافل لم يكن مجرد بروتوكول، بل إشارة أمريكية واضحة إلى أن ولي العهد السعودي بات أحد أهم صناع القرار على الساحة العالمية.
دهشة مراكز التحليل.. وثقة في صناعة القرار
الانطباع الأبرز في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية كان واضحًا:
أمامهم قائد يتحدث بثقة، يطرح رؤى دقيقة، ويُظهر قدرة استثنائية على إدارة ملفات معقدة دون تردد.
فقد أعادت هذه الزيارة التأكيد على أن العلاقة بين الرياض وواشنطن لم تعد علاقة «حليف تقليدي»، بل علاقة مركز ثقل سياسي واقتصادي مع لاعب إقليمي ودولي يمسك بخيوط مؤثرة في ملفات الطاقة، والأمن الإقليمي، والاستثمارات العابرة للقارات.
احترام يُفرض داخل البيت الأبيض
المشاهد التي نقلتها كاميرات الإعلام الأمريكي أوضحت حجم التحوّل:
ترحيب لافت، حفاوة غير مسبوقة، وحوار على مستوى الندّية بين الطرفين.
كانت الرسالة واضحة: السعودية اليوم تُستقبل باعتبارها دولة تصنع الاتجاهات، لا مجرد متلقٍّ لها.
لقد فرضت المملكة حضورها السياسي بثقل المشاريع الكبرى التي انطلقت منذ إعلان رؤية 2030، وبتحوّل اقتصادي جعلها في مقدمة الدول الأكثر تأثيرًا في أسواق الطاقة والاستثمار.
قائد من جيل جديد
نجاح الزيارة لم يكن نتيجة خطاب سياسي أو مجاملة دبلوماسية، بل انعكاس لواقع صنعته إنجازات ملموسة:
- رؤية 2030 وبرامج التحول.
- نمو اقتصادي متسارع.
- سياسات خارجية متوازنة.
- قرارات حاسمة.
- وتعامل مع ملفات إقليمية معقدة بثقة كبيرة.
هذه العناصر جعلت الأمير محمد بن سلمان من أبرز قيادات الجيل السياسي الجديد على مستوى العالم.
دور إقليمي يعيد صياغة علاقات المنطقة
تكتسب الزيارة قيمة إضافية عند قراءتها في سياق الملفات التي تقودها المملكة.
فقد طلب ولي العهد من الولايات المتحدة التدخل لإنهاء الصراع في السودان، وهو ما استجابت له واشنطن فورًا. كما أسهمت السياسة السعودية في فتح مسار جديد تجاه سوريا، وفي إعادة صياغة مقاربة دولية للتعامل مع هذا الملف. هذه المواقف تعكس وزنًا سياسيًا يضع الرياض في صدارة الجهود الإقليمية والدولية.
بداية مرحلة جديدة
لم تكن زيارة الأمير محمد بن سلمان مجرد لقاء بين دولتين؛ بل كانت تأكيدًا على أن السعودية بثوبها الحديث تمضي بثقة نحو مستقبل مختلف، مستندة إلى إرث المؤسِّس، وقوة الدولة، ورؤية تُصنَع على مدى عقود قادمة.
واشنطن خرجت من هذه الزيارة وهي تطرح سؤالًا واسعًا في ممرات القرار:
كيف استطاع قائد في هذا العمر أن يختصر عقودًا من التحوّل في سنوات قليلة؟
ومَن تابع المشهد بعيون سياسية يدرك جيدًا أن ما حدث في البيت الأبيض لم يكن «استقبالًا رسميًا»، بل كان اعترافًا دوليًا بدور سعودي جديد.. وهيبة تُرسَّخ لا تُطلب.
** **
- مجيب الرحمن بن عثمان