الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكدت الأستاذة منى بنت حمد بن علي العُمري المحامية أن ما تسجله المحاكم في كل صباح جديد من قضايا طلاق وخلع وفسخ، ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل مؤشر يحتاج إلى توقف جاد وتأمل عميق، حتى باتت الإحصاءات تثير القلق أكثر من التعجب.
وقالت الأستاذة منى العُمري في حديثها لـ«الجزيرة» على الرغم من اختلاف الأسباب وتنوع المبررات، يبقى السؤال الأهم: من المتأثر الحقيقي حين تُهدم أسرة؟ هل هما الزوجان اللذان قررا الانفصال؟ أم الأبناء الذين يجدون أنفسهم فجأة بين عالمين لا يلتقيان؟ أم أن المجتمع كله يدفع الثمن حين تتكاثر بيوت مهدّمة وأجيال تائهة؟، مشددة على أن الطلاق لم يعد نهاية علاقة فاشلة فقط، بل بداية لتداعيات نفسية واجتماعية واقتصادية تمتد لأجيال، وما يقلق أكثر أن معدلات الانفصال ترتفع عامًا بعد عام رغم كثرة ما يبذل من جهود توعوية وإصلاحية، مما يدل على أن هناك ثغرات لم تُسد بعد في المنظومة الأسرية والمجتمعية.
وكشفت المحامية منى العُمري أنه من خلال المتابعة الميدانية لملفات الانفصال ومظاهر الخلافات الزوجية، يمكن ملاحظة أن جزءًا من المشكلة لا يتعلق بالخلافات ذاتها، بل بطريقة التعامل معها، وهذه الملاحظة تكشف أن الحل لا يكمن في تشديد الإجراءات أو تعدد المبادرات، بل في بناء وعيٍ أكثر عمقًا وفاعلية، ومعالجة الأمر من جذوره قبل أن يصل إلى نقطة اللا عودة؛ فثمة ثغرات قابلة للمعالجة وحلول واقعية يمكن أن تُحدث فرقًا ملموسًا متى ما وُضعت في الإطار المناسب، ولعل ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من التشخيص، بل تفعيل الأدوات التي نملكها لتكون أكثر تأثيرًا وعدالة في حفظ كيان الأسرة.
وأكدت الأستاذة منى العُمري أن الحلول لا تكمن في اللوم ولا في تحميل طرف واحد المسؤولية، بل في تشخيصٍ أعمق للأسباب ومعالجةٍ أكثر وعيًا للواقع فالمسألة تتطلب رؤية متكاملة تجمع بين التنظيم والوعي، بين النظام والرحمة، بين حماية الأسرة وصون الحقوق، ولدينا في مجتمعنا مقومات كبيرة إذا أحسن توظيفها يمكنها أن تحدّ من تصاعد هذه الظاهرة وتعيد للأسرة توازنها، فقط متى ما وُضعت الحلول في موضعها الصحيح وسُدّت الفجوات التي تُضعف استقرار العلاقة الزوجية، كما أن الأسرة ليست علاقة بين شخصين فحسب، بل نواة وطن ومستقبل أمة، وحين تنهار الأسرة الواحدة، فإننا نفقد شيئًا من تماسك المجتمع بأكمله، ولهذا فإن التعامل مع الطلاق كقضية تنموية هو المدخل الأجدر، لأنه لا يعالج الأعراض فحسب، بل يلامس الجذور ويهيئ لجيلٍ أكثر وعيًا واستقرارًا.
وشددت المحامية منى العُمري القول: إن التوقف أمام هذه الظاهرة لم يعد ترفًا، بل ضرورة تُحتّمها مسؤوليتنا تجاه الجيل القادم؛ فالطلاق ليس حدثًا قانونيًا ينتهي بصك، بل قصة إنسانية تبدأ بعده، أبطالها أطفال وأسر ومجتمع بأكمله، ولعل في قراءة الأسباب بوعي، ووضع الحلول من منطلقٍ واقعي وهادئ، ما يكفي لإعادة التوازن قبل أن نفقد المزيد، فحين تُحمى الأسرة، نحمي المستقبل، وحين نستثمر في استقرارها، نؤمّن للوطن جيلًا قادرًا على البناء لا على الترميم.